يدفع الايزيديون، كغيرهم من المكونات المسماة زوراً «أقليات» في الشرق الأوسط، ثمن التطرف الديني المتمدد فوق أغنى الأراضي تاريخاً وأكثرها احتضاناً، في مراحل عدة، لتعدد الثقافات، أرض بلاد الرافدين. يتمركز انتشار الايزيديين في العراق في نينوى بالقرب من معبد لالش المعتبر أكثر البقع قدسية بالنسبة إلى أتباع هذه الديانة. ليست الايزيدية ديانة تبشيرية، ويقسم رجال الدين فيها بين ثلاثة مراتب هي «بير» و«شيخ» و«مريد»، فيما تتميز مواقعهم الدينية بتزيينها برمز الشمس.

تشير تقارير عدة صدرت أخيراً، بعد المجازر والتهجير الذي تعرض له الايزيديون، إلى أن السرية والغموض تكتنف معتقدات هذه الديانة، حيث يكثر الحديث مثلاً عن الارتباط بالزرادشتية، بينما تشير بعض الشعائر الدينية إلى معتقدات مسيحية وإسلامية.
يقول مثلاً أحد أتباع الايزيدية في تعليق على المتناقل عن ديانتهم: «نحن لا علاقة لنا بالإسلام، خصوصاً الأمويين، وبالمسيحية»، متسائلاً: «هل قدّس الإسلام الطبيعة في أحد الأيام؟». ويضيف: «يوجد أمور متشابهة بين الايزيديين والأديان السماوية، لكن هذا لا يعني أننا مسلمون»، مبدياً رأيه بأن تاريخ الايزيدية «قديم جداً ولا أحد يمكنه أن يصل إلى أصل الايزيديين. عندما نقرأ أموراً عن السومريين نجد بعض الأمور في الديانة الايزيدية، وعندما نقرأ عن البابليين نجد أموراً أكثر»، مستكملاً سرده عن التشابه مع عدد آخر من الديانات القديمة، إضافة إلى اليهودية والمسيحية، مختتماً حديثه بالقول: «أنا ايزيدي ولكن لا أعرف شيئاً عن أصل الايزيديين، لأنهم كانوا موجودين في كل فترة وفي كل العصور». فيما يشير الحديث أعلاه إلى مكامن غنية لها علاقة بالمخيال الجماعي لأتباع هذه الديانة، كما يلفت إلى التكوّن التاريخي لهذه الديانة، إلا أن في الشعارات الدينية ما هو أثرى وأكثر دلالة في الفكر المتكوّن لهذه الديانة. أبرز هذه الأمثلة «الملَك طاووس»، وهو «المنفذ الفاعل للمشيئة المقدسة»، وفق تقارير حديثة. ويقول الباحث العراقي زهير كاظم عبود إن «طاووس ملك في الاعتقاد الايزيدي لا يصل إلى قدسية الله، إلا أنه من الملائكة المقدسة، بل هو كبير الملائكة وطاووسهم».
تشير مجمل المعطيات أعلاه إلى أن الديانة الايزيدية قائمة بذاتها وإلى أن تشكلها امتد على عدد من الحقب التاريخية، وقد تعرضت لسلسلة من الهجمات، ما يفسر أكثر تمركزها الجغرافي في نينوى بالنظر إلى طبيعة المنطقة. ويشير تقرير نشرته «الغارديان» يوم أمس إلى أنه «تحت حكم العثمانيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كان الايزيديون عرضة لـ72 مذبحة. أكثر من ذلك، في عام 2007، قتل المئات من الايزيديين في سلسلة من التفجيرات استهدفت معقلهم في شمال العراق، وقدر الصليب الأحمر عدد القتلى بـ800».
عموماً، وبعيداً عن الحديث بشأن أصول هذه الديانة أو تلك، تتنوع التداعيات الناتجة ممّا يحصل للايزيديين في معقلهم التاريخي، فالخطير هو الحديث الدائم عن التهجير والتطبيع مع الفكرة راهناً، تحديداً بعد تمدد «الدولة الإسلامية» فوق أكثر الأراضي اختلاطاً. وقد يكون في حديث النائبة الايزيدية في البرلمان العراقي فيان دخيل دلالات في هذا المجال لمن يريد أن يصغي. تقول: «أثناء اجتماعي يوم أمس (أول من أمس) مع مفوضية الاتحاد الأوروبي في مقرها في بغداد وبحضور معظم سفراء الدول الأوروبية، طرحت نقطتين أو مطلبين وشددت عليها:
*إيجاد ملاذ آمن للايزيديين وحماية دولية لهم في العراق لمن يريد البقاء.
*فتح باب اللجوء للمواطنيين الايزيديين واستقبالهم وإعطاؤهم حق اللجوء وبأسرع وقت».
هل من يصغي إلى المنقول؟ أم أن العقلية العامة اعتادت الانشغال في تحديد أصول الأديان و«الأساطير»، كما يحصل مع الايزيديين، بعيداً عن المخاطر المحدقة بعموم مجتمعات الشرق الأوسط؟
(الأخبار)