القاهرة | غزة | بينما غادرت الوفود الفلسطينية والإسرائيلية القاهرة، إثر إخفاق المفاوضات غير المباشرة المقامة برعاية المخابرات المصرية، تحدثت مصادر مصرية رفيعة لـ«الأخبار» عن تفاصيل الإخفاق في الساعات الأخيرة، رغم ما سبق ذلك من تفاؤل لجهة الاتفاق على هدنة دائمة وتنفيذ شروط المقاومة التي أبدت إسرائيل موافقة عليها قبل تمديد الهدنة خمسة أيام، وطلبت أياماً عدة لمناقشة الورقة المصرية بشأن التهدئة.
ويصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى القاهرة غداً للقاء نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في لقاء معدّ مسبقاً، لكن جدول الأعمال سيتحول من مناقشة عملية إعادة الإعمار والدعوة إلى عقد مؤتمر للمانحين في مصر إلى مناقشة كيفية الوصول إلى هدنة دائمة «تضمن السلام في المنطقة».
وكان عباس قد التقى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، في العاصمة القطرية الدوحة أمس، بدعوة من الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني. وقال المتحدث باسم الحركة، حسام بدران، إن اللقاء «تطرق إلى مناقشة ظروف المباحثات الماضية التي جرت في القاهرة»، نافياً أن يكون الطرفان قد اقترحا مبادرة جديدة للحل السياسي بشأن الأوضاع الراهنة. وأشار، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن الجانبين التقيا الوفد الفلسطيني الذي شارك في مباحثات القاهرة واطّلعا منه على طبيعة المباحثات التي جرت والأفكار التي نوقشت فيها، مؤكداً حضور نائب رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» موسى أبو مرزوق.

نفت «حماس»
وجود مبادرة مصرية يحملها رئيس السلطة إلى مشعل

ونفى بدران وجود مبادرة مصرية يحملها رئيس السلطة إلى مشعل، أو وجود نية للأخير من أجل زيارة القاهرة «في الوقت الراهن على الأقل»، في وقت ذكرت فيه مصادر لـ«الأخبار» أن مشعل أبلغ عباس أن المقاومة جاهزة للمواجهة حتى النهاية لتحقيق مطالب أبناء شعبها.
وأفادت المصادر بوجود رسائل تلقتها الدوحة من دول غربية ومن الولايات المتحدة بغرض إعادة المباحثات مرة أخرى، وطرح مبادرة «مناسبة» لإنهاء التوتر الراهن. وفيما حذرت أطراف مقربة من المقاومة من توجه إسرائيل إلى الأمم المتحدة بغرض انتزاع قرار دولي يقضي بإنهاء الحرب، تحرص «حماس» على توحيد الموقف الفلسطيني «كي لا يتبنى رئيس السلطة أي قرار بالموافقة على إنهاء الحرب من دون المشاركة مع المقاومة».
وبالعودة إلى الساعات الأخيرة من المفاوضات، تحدثت المصادر المصرية عن «تفاؤل كبير» كان لدى الجانب المصري حتى بدء الجلسات الأخيرة من المفاوضات، التي تراجع فيها المسؤولون الإسرائيليون عن العديد من النقاط، من بينها مناقشة إنشاء الميناء والمطار وطريقة إدارة «المعابر» وغيرها من التفاصيل، وطلبوا تأجيلها لمدة شهر على الأقل.
وأوضحت المصادر أن الجانب المصري حاول كثيراً الوصول إلى «صيغة توافقية مع الجانب الإسرائيلي» الذي كان لديه «إصرار غير طبيعي على إحباط المفاوضات وعرقلتها وإطالة أمد المفاوضات خلال المدة المقبلة»، مشيرة إلى أن المسؤولين المصريين الذين حضروا شعروا بمراوغة الجانب الإسرائيلي لأسباب لها علاقة بالخلافات الموجودة في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو.
ولفت مصدر إلى أن «ثمة مفاوضات واتصالات هاتفية كانت قائمة بين مسؤولين من المخابرات المصرية ونظيرتها الإسرائيلية قبل الإعلان عن فشل المفاوضات، لكن جميعها باءت بالإخفاق بسبب تكرار لغة الإطالة والتسويف من الجانب الإسرائيلي بصورة غير مبررة، وعلى عكس الجلسات السابقة من المفاوضات التي أبدوا فيها استعداداً للاستجابة لمطالب المقاومة».
رغم ذلك، أكدت المصادر أن الخارجية المصرية ستجري اتصالات مع عدة أطراف دولية، من بينها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بهدف الضغط على إسرائيل، منددة بتخاذل المجتمع الدولي وغياب الضغوط الجدية على الجانب الإسرائيلي من أي طرف حتى الآن، معتبرة أن هذا هو السبب الرئيسي في استمرار الحكومة الإسرائيلية في عملية المماطلة وإطالة أمد الحرب، ما يؤدي إلى مزيد من الخسائر والضحايا.
ولمّح مصدر مصري إلى «غضب القيادة السياسية المصرية من تل أبيب لخطواتها غير المحسوبة وتراجعها في الموافقات المبدئية التي أعطتها من قبل»، لكن في الوقت نفسه رأى أن «أي صيغة لنجاح المفاوضات الحالية ستؤدي حتماً إلى صراع سياسي بين الأحزاب الإسرائيلية وستعصف بالحكومة الحالية فور الاتفاق عليها».
وفي حديث معه عن الموقف المصري بذاته، قال إن «الجانب المصري يؤمن بحق المقاومة في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للقطاع عبر الميناء والمطار، خصوصاً لما سيوفره ذلك من تخفيف العبء على معبر رفح الحدودي بعد إعادة تشغيله وتخفيف الأعباء عن الإدارة المصرية في إيصال السلع للقطاع بحيث يكون له ميناء خاص يستقبل فيه البضائع التي تتفق عليها السلطة الفلسطينية مع المستوردين».
وأشاد المسؤول بموقف ممثلي الوفد الفلسطيني في المفاوضات وحرصهم على نجاح الجهود المصرية، مشيراً إلى أن هذه المفاوضات «ساهمت كثيراً في تحسين الأجواء بين القاهرة ومسؤولي حماس بعدما أبدوا مرونة كبيرة في التعامل، بعد توتر دام أكثر من عام».
أستاذ العلوم السياسية، طارق فتح الله، أرجع بدوره فشل المفاوضات إلى وجود ضغوط سياسية على الطرفين تجعلهم راغبين في تحقيق المكاسب، خصوصاً «في ما يتعلق بالرؤية النهائية»، مشيراً إلى أن «الجانب الإسرائيلي يمكن أن يكون قد قبِل الهدنة استغلالاً للوقت من أجل محاولة إعادة ترتيب أوراقه، ولا سيما أن خسائر التحرك البري للقوات لم تكن متوقعة في الأوساط الإسرائيلية، وجعلت الحكومة تتعرض لانتقادات عنيفة».
وأضاف، في حديث إلى «الأخبار»، أن إخفاق المفاوضات يعني فقدان الإدارة السياسية صوابها؛ فعلى الأرض لم تحقق أي نتائج ملموسة، بينما تتكبد خسائر اقتصادية كبيرة وتتعرض لانتقاد داخلي يهدد شعبيتها في الانتخابات المقبلة، لافتاً إلى أن فشل نظام «القبة الحديدية» في إسقاط الصواريخ التي تطلقها المقاومة أظهر عجز الجيش الإسرائيلي، رغم الميزانية الكبيرة لشراء الأسلحة المتطورة.
في سياق حديثه، أشار الأكاديمي المصري إلى أن «أي حديث عن نزع سلاح المقاومة دون وجود ضمانات لتحقيق السلام وحل الدولتين لن يكون مقبولاً على الإطلاق، سواء لدى السلطة الفلسطينية أو لدى حماس»، مؤكداً أن «من يتحدث عن نزع السلاح يجب عليه أن يضمن السلام أولاً وطريقة إسرائيل في تنفيذ الاتفاقات على مراحل عدة، إضافة إلى أن الإخلال الواضح ببنود اتفاقات عدة يجعل من المستحيل تصديق كل ما تقوله الحكومة التي يمكن أن تتغير في أي لحظة».