رغم خطورة الوضع وهشاشته، تستمر السلطة السياسية بالتعامل كما لو ان لبنان بعيد آلاف الأميال عن دول تنهار تحت وطأة الارهاب، فيما الإرهاب نفسه يحتل جزءاً من الأراضي اللبنانية، ويخرق السيادة بلا أي رادع.
ولعل صورة الرئيس تمام سلام في كلمته الموجهة إلى اللبنانيين أمس، أبلغ دليل على هشاشة موقف الدولة اللبنانية. فقد ظهر رأس السلطة التنفيذية خائفاً ومربكاً، ولا يوحي بأي قدر من الثقة. اول من امس، خرج (على صفحات الزميلة «السفير») ليقول إن في يد الدولة اوراق قوة لمواجهة الإرهابيين. لكن اوراق القوة هذه لم تظهر، رغم أن الإرهابيين ارتكبوا جريمة ذبح جندي ثانٍ اول من امس، وقتلوا يوم الجمعة الماضي مواطناً لبنانياً بعد «اعتقاله ومحاكمته»، وصلبوا سورياً، وحاولوا ليل أمس اعتقال سوري آخر في عرسال. يدعو سلام إلى الالتفاف حول الجيش والقوى الأمنية التي «تحظى بتغطية سياسية كاملة في عملها الرامي إلى التصدي للإرهاب وحفظ أمن لبنان واستقراره»، فيما هو، بصفته وكيلاً لرئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، وقف حجر عثرة امام استكمال الجيش معركته ضد هذا الإرهاب. يستعيد مطلعون على خفايا معركة عرسال التي اندلعت في الثاني من آب الكثير من الأسئلة، ويطرحونها كلما قال سلام إن الحكومة تغطي الجيش، او انها لم تطلب منه وقف المعارك في عرسال وجرودها (بحسب ما قال في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الخميس الفائت)، ما اتاح للإرهابيين الاستمرار في احتلالهم لتلك الأرض اللبنانية. يقول هؤلاء إن استعادة «داتا الاتصالات» بين رئاسة الحكومة وقائدة الجيش يوم الثاني من آب وبعده تحمل أدلة على هذه الأسئلة، وأبرزها:
لماذا ضغط رئيس الحكومة على قائد الجيش العماد جان قهوجي لفرض هيئة العلماء المسلمين، المتعاطفة مع الخاطفين، وسيطاً بينهم وبين الدولة، وطلب من الجيش وقف إطلاق النار لتسهيل دخول وفد الهيئة إلى عرسال؟
لماذا كان سلام يمارس الضغوط على الجيش، بهدف التحكم بسير المعارك، من خلال «مساءلة» قائد الجيش، خلال المعركة، عن أسباب قصف هذه البقعة او ذلك الموقع الذي يتحصن فيه إرهابيون؟
هل اتصل أحد المقربين من سلام بعد استعادة الجيش موقعه الذي احتله الإرهابيون قرب مهنية عرسال ليوصي الجيش بجرحى الإرهابيين؟
ألم يتصل سلام شخصياً بقائد الجيش «مسائلاً» عن الراجمات التي تطلق الصواريخ صوب جرود عرسال من منطقة قريبة من الفاكهة، مشككاً في ملكية الجيش لهذه الراجمات، وملمحاً إلى انها عائدة لحزب الله؟
ألم يتصل سلام بقائد الجيش ليعترض على هجوم الجيش على تلة أطلقت منها النيران على السيارة التي كان يستقلها الشيخ سالم الرافعي يوم أصيب في قدمه؟
تكثر الأسئلة التي تبقى بلا أجوبة. لكن خلاصتها تتقاطع مع ما يؤكده مرجع بارز في قوى 8 آذار، لناحية القول إن ضغوطاً سياسية شديدة مورست على قيادة الجيش، من قبل تيار المستقبل ممثلاً برئيس الحكومة، وأن الجيش حاول توسيع هامش العمليات في عرسال ومحيطها قدر المستطاع.
وتلفت المصادر إلى ان انتشار الجيش ميدانياً بين عرسال وجرودها لم يحظَ بغطاء رسمي إلا بعد المباشرة به، أي ان «تغطية» السلطة السياسية انتُزِعَت انتزاعاً.
وكان سلام قال في كلمة متلفزة وجّهها إلى الشعب اللبناني امس إن «الإرهابيين يفاوضوننا بالدم»، واصفاً إياهم بالـ «همجيين، لا دين لهم، ولا يفهمون إلا لغة الذبح». ونبه سلام إلى أن «المعركة طويلة، ويجب أن لا تكون لدينا أية أوهام في أنها ستنتهي سريعاً»، داعياً إلى «الثقة بالحكومة وبإدارتها لهذا الملف، بعيداً عن المزايدات»، وإلى «الالتفاف الكامل حول الجيش والقوى الأمنية التي تحظى بتغطية سياسية كاملة في عملها الرامي إلى التصدي للإرهاب وحفظ أمن لبنان واستقراره».
وتوجه سلام إلى أهالي العسكريين المخطوفين، مؤكداً «أن الجيش لن يتخلى عن جنوده، ولن يدخر أي جهد لإعادتهم إلى الصفوف، صفوف الشرف والتضحية والوفاء»، كما أكد «أن لبنان لن ينكسر، وهؤلاء الإرهابيون سيهزمون بالتأكيد».
وانتقد سلام قطع الطرقات والاعتداءات على النازحين السوريين، معتبراً أن «ما جرى في الشارع أساء للشهداء، وأساء لقضية أبنائنا الأسرى، وكاد يودي بالبلاد إلى منزلقات خطيرة. إن اللجوء إلى إقفال الطرقات وتعطيل الحركة في البلاد لن يعيد إلينا عسكريينا. فالمواجهة في مكان آخر، هي مع العدو الإرهابي، وليس في الداخل مع بعضنا البعض». وتوجّه سلام بالشكر إلى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني على «مساعيه المستمرة لمساعدة لبنان على تجاوز هذه المحنة».
جنبلاط: «الدول غير مهتمة بنا»
من جهته، تابع النائب وليد جنبلاط جولاته على قرى عاليه، وزار أمس قبرشمون والبنيه وكفرمتى وعين درافيل في منطقة الشَحَّار الغربي. وأمام نصب شهداء قبرشمون، حيّا جنبلاط «جميع الشهداء من كل الفئات اللبنانية وأحيي شهداء المقاومة الإسلامية وأحدهم سقط في الجنوب منذ يومين عندما حاول مع الجيش اللبناني أن يفكك جهاز تنصت». وفي بلدة البنيه، زار جنبلاط منزل شيخ العقل نعيم حسن، ثمّ انتقل إلى كفرمتى للقاء شيخ العقل ناصر الدين الغريب، الذي أكد أن «كلمة الشعب اللبناني بأسره يجب أن تجتمع على اختلاف سياساته وطوائفه ومذاهبه، الشعب والجيش والمقاومة، وأعني هذه المعادلة الذهبية، لأن المعادلة الخشبية ذهبت إلى غير رجعة»، ليرد جنبلاط «في ما يتعلق بالمعادلة التي طرحتها، نحن معها، لكن نريد أن نزيد عليها لأننا من الذين وقّعوا، مع الإخوان في المقاومة، على إعلان بعبدا الذي برأيي كان مناسبا في ذلك الوقت». وتابع: «نحن ننتظر اجتياح الإرهاب هنا ونحن نتفرج. التاريخ لا يرحم ولا يتوقف عند محطة، أعرف أن هذه المنطقة عانت جرحاً مثل كل المناطق، نحن عانينا الجرح وغيرنا أيضاً عانى، ولكن هذا كان في الماضي، اغتيال كمال جنبلاط كان جرحاً كبيراً ولكن بعد أربعين يوماً كنت في الشام من اجل مصلحة لبنان ووحدته وعروبته ومن اجل مواجهة إسرائيل وفقط إسرائيل، يجب أن نتابع المسيرة، وأبذل جهدي مع الدول. لكن أريد أن أكون صريحاً معكم، فإذا فكر أحدكم أن الدول مهتمة فينا، فلا أحد مهتم، بل بالعكس، يأتي مبعوثو الدول ــــ أحدهم رئيس وزراء فرنسي سابق ووزير حالي ــــ ثم يقولون: يا مسيحيي الشرق تفضلوا لعنا».