تتحلّق نسوة في الخمسينيات والستينيات، في إحدى بلدات كسروان، في «عصرونية» حول «ركوة» القهوة. منذ فترة، لم تعد أحاديثهن تقليدية. بتن أكثر اهتماماً بالسياسة. يتبادلن أخباراً، غالباً مجهولة المصدر، حول دهم استخبارات الجيش سوريين «داعشيين» ممن «يقيمون بيننا». لم يعرف، أساساً، عن الكسروانيين «عشقهم» لـ«الغريب»، ناهيك عن السوريين. منذ موجة النزوح السوري، كان السوريون دائماً تحت المجهر، خصوصاً في كسروان.
اعتادت الأمهات تنبيه أولادهن إلى عدم سلوك طرق معينة لأن «السوري يبقى جالساً هناك. وربما حاول سرقتكم، أو اغتصاب البنات». لكن رهاب «داعش» بات يدفعهن إلى رسم سيناريوهات أكثر رعباً: «ماذا لو فكّر هؤلاء بتطويقنا؟ كيف سندافع عن أنفسنا؟».
تحتج سيدة عند اتهامها بكره السوري: «لا أبغضه، ولكنه لم يترك لنا مجالاً لتقبله». تتذكر حاجزاً للجيش السوري على طريق كازينو لبنان، «كانوا يستبدّون بالناس، ويقررون على مزاجهم من يمكنه المرور». حتى العمال «استغلوا وجود جيشهم عندنا كي يفرضوا شروطهم على أرباب العمل». لا تفرّق بين «إرهابي داعشي» وبين نازح: «كلن أضرب من بعض». أما الحل بالنسبة للسيدة المؤيدة للتيار الوطني الحرّ، فعند حزب الله: «نعم أثق به وأشعر بالأمان لأنه يحميني. لولا مشاركته في القتال في سوريا لكانوا اليوم اجتاحونا».
هذه الثقة لا تعفي الكسروانيين من القيام بـ«واجبهم» في التسلح «قبل أن يصلوا إلينا». يقول كتائبي من أبناء حراجل: «علينا نحن أن نحمي مناطقنا». وهو منطق تبنّاه رئيس إقليم كسروان الكتائبي سامي خويري، في محاضرة أخيراً، داعياً إلى «اللامركزية الأمنية» والى تشكيل مجموعات حراسة لحماية المناطق ليلا، فيما علمت «الأخبار» أن حزب الكتائب نظّم لهذه الغاية أخيراً مخيماً تدريبياً في منطقة عيون السيمان.
نظّم حزب الكتائب أخيراً
مخيماً تدريبياً في منطقة
عيون السيمان



شعور البلدات المتاخمة للحدود اللبنانية ـــ السورية في عكار والبقاع بالخطر من عناصر «داعش» مفهوماً. حدود البلدات سائبة للمجموعات الإرهابية الهاربة من سوريا، ما يضطر الأهالي إلى اللجوء للأمن الذاتي. أما في كسروان، فما هو المبرر لهذا «الخوف من تسلل من يصفونه بـ«الغريب» إلى منطقتهم»؟ يوم كان الشغل الشاغل في كسروان الانتخابات النيابية لم يكن أحد مهتماً بوجود النازحين السوريين، ولا بالخطر الداعشي. لكن الهجوم على مراكز الجيش في عرسال، «والبيانات الأمنية وتهويل بعض السياسيين دفعت الكسروانيين إلى ترجمة قلقهم»، استناداً إلى نائب سابق. يحمل جزء من المسؤولية إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع «الذي لا تمل إحدى الإذاعات من بث كلام له يدعو الناس إلى عدم الخوف فكما واجهوا الماضي سيتصرفون اليوم. ما يبرر اندفاعهم نحو التسلح». يقول النائب: «كأنهم يريدون تكبير قصة داعش حتى يزيدوا النقمة ضد حزب الله». علماً أن جعجع حاول التخفيف من أهمية «داعش» واصفاً إياها بـ«الكذبة الكبيرة»، قبل أن يعود ويقول عنها انها سرطان.
ولكن هل فعلاً هناك وجود لداعش في كسروان؟ تتقاطع معلومات الأجهزة الأمنية، التي يؤكد أكثر من مصدر فيها أن لا وجود لأي عنصر إرهابي في هذه المنطقة، «هو أكثر قضاء يسوده الأمن والاستقرار». يقول مسؤول أمني لـ«الأخبار» إنّه «لا وجود في كسروان لبيئة حاضنة للإرهاب، لكن أهل القضاء، خائفون من السوريين». في آخر إحصاء قامت به القائمقامية «تم تسجيل 25 ألف سوري، منتشرين في معظم بلدات القضاء، ولكننا نتوقع وجود 25 آخرين لم نتمكن بعد من إحصائهم»، استناداً إلى الأمني. يقول إن كل يوم «نداهم بيوتهم، ولكن لم يتم إيجاد سلاح مع أي من اللاجئين، وجدت بعض الصور على الهواتف لها علاقة بجبهة النصرة وداعش. ولكن لا شيء جدي». ويضيف الأمني: «عدد كبير من الموجودين هم ضد الحكم في بلادهم، وسبق لهم أن حاربوه، ولكن فعلاً حين بدأ وجود الإرهاب هربوا». وتقول المصادر إن الخطورة الناجمة عن اللاجئين تكمن في «وجودهم غير المنظم». تعاني الأجهزة الأمنية من ضعف عمل البلديات التي تكتفي بتعليق لافتات تجبر «العمال الأجانب» على عدم التجول بعد ساعة معينة، «ولكنها لا تدقق في ساكني الشقق وأسمائهم وأعدادهم. حتى أن شرطة البلدية ليس جاهزة». تتحدث الأجهزة عن عمل جيد في جونية، غزير، زوق مصبح، كفرذبيان، فاريا، والصفرا. أما بقية المناطق «فتطلب مساعدتنا من دون أن تؤمن هي الحد الأدنى».
نكران الأجهزة الأمنية وجود عناصر مسلحة في كسروان يأتي على الرغم من إعلان الوسائل الإعلامية في أول آب عن إلقاء القبض على ثلاثة عناصر من «داعش» قرب ثكنة المجوقل في غوسطا. وقبل ذلك، جرى الحديث عن إيجاد خرائط عليها أهداف في بلدة داريا. ومنذ أيام، تم الإعلان عن مدامهة مساكن لسوريين في السهيلة.
منسق التيار الوطني الحر في كسروان، جوزف فهد، يلمس خوف الناس الزائد تجاه اللاجئين، «وهو مبرر، فكل يوم يتم إلقاء القبض على مجموعة . ينتشرون في كل القرى ولا أحد يقوم بواجبه لناحية ضبطهم». يصف الوضع بخروج الجيش السوري بنيسان 2005، «ليعود الاجتياج عبر الشعب». ينفي العوني تشجيع التيار على «الأمن ذاتي»، مؤكداً أنه صار حديث القرى، «لكننا ضده. سينتهي الأمر بمرجلة أولاد البلد على بعضهم». ويعيد فهد التذكير بكلام العونيين منذ سنتين «يوم طالبنا بإغلاق الحدود، فاتهمونا بالعنصريين. اليوم يتكلمون خطابنا». يرى منسق التيار أن لا مصلحة لاحد بتجييش الشعب، «ولكن ما زال مسيحيو 14 آذار يمارسون سياسة الجمهور عايز كدة. سيصل السكين إلى رقبتهم وما زالوا يمارسون سياسة الدلع». أما بالنسبة لحزب الله وقتاله في سوريا، «فالنظرة إليه بدأت تتبدل إيجاباً. في البقاع عبر القواتيون عن استعدادهم للقتال إلى جانبه ولكن المسؤولين ما زالوا يكابرون».
من جهته، يقول مسؤول القوات في كسروان، شوقي الدكاش، إنّ «القوات مؤمنة بالدولة، وهي تراهن على قدرات الجيش». ويقول إن «الكسروانيين يعون جيداً أن داعش خطرة جداً، وكذلك حزب الله. ما الفرق بينهما؟ الاثنان يريدان دولة إسلامية». الدكاش ليس خائفاً، ولكنه يلقي اللوم على فريق الثامن من آذار والعونيين «الذين يريدون تخويف الناس حتى يقولون لهم أن حزب الله يحميكم».