«داعش قادمة»، «جئناكم بالإسلام يا عبّاد الصليب»، «الدولة الإسلامية ستحرق الصلبان»... هذه العبارات وغيرها الكثير قرأها سكان منيارة، والحميرا، ورماح، والعوينات وغيرها من قرى عكّار على جدران كنائسهم ومنازلهم. في الغالب، يعمد السكان إلى إزالة تلك الشعارات ويعودون الى ممارسة حياتهم «الطبيعية»، مع تعديل «بسيط» يتمثّل في شراء الأسلحة والقيام بأعمال الحراسة ليلاً.
بالنسبة إلى بيار خوري، أحد الناشطين في منيارة، فإن هذه التهديدات «لا تفلح في إثارة رعب السكان إلى حد الهوس. لكن بعد ما حلّ بمسيحيي سوريا والعراق، وذبح الرقيب علي السيد في عرسال، لم يعد أهالي عكار يستبعدون شيئاً». يضيف: «رغم أنني أعارض تسلح المسيحيين، لأن ضمانتنا الوحيدة هي الجيش اللبناني. إلا أنني شهدت على أكثر من حالة تسلح في بلدتي».
«الخوف يتغلغل في نفوس أبناء عكار مسيحيين ومسلمين»، يقول عفيف القبرصي، من بلدة العوينات. ويوضح: «عمليات التسلح في البلدة تتم بشكل فردي. أهل البقاع لديهم حزب الله يدافع عنهم، والمناطق السنية وراها السعودية. أما المسيحيون فآكلينها من كل الميلات». ينفي الرجل أن يكون أي الأحزاب المسيحية قد عرض على أهل البلدة تسليحهم: «لا نتسلّح في شكل ميليشيوي. نريد حماية أعراضنا وأطفالنا لا أكثر، فيما الأقطاب المسيحيون مشغولون إما في اتهام حزب الله بجرّ الإرهاب إلى لبنان أو في الدفاع عنه».
التسلّح فردي وغير
منظّم والخشية من تجمعات النازحين


يقول أحد سكان القبيات إن الوجود الكثيف للنازحين السوريين واحتمال تمدد «داعش» من جبال الضنية إلى عكار «يرغمنا على حمل السلاح بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية». ويشير الى أن «القبيات ممر أساسي للوصول إلى الهرمل والضنية وعكار القديمة، ويسلكها العديد من السكان، وفيها أعداد هائلة من النازحين السوريين، ما ضاعف الحاجة إلى حراسة البلدة». وبحسب مصدر أمني، فإن «كل ما يجري في مناطق عكار من عمليات حراسة يتم تحت إشراف قوى الأمن الداخلي والبلديات. في القبيات، مثلاً، تسيّر البلدية دوريات على مدى 24 ساعة. يؤازرها شبان من البلدة يطلقون على أنفسهم اسم النواطير، يحملون أسلحة خفيفة وهواتف، يراقبون الحارات والطرق الرئيسية. في حال حدوث أي أمر غير اعتيادي، يبلغون شرطة البلدية التي تطلب تدخل قوى الأمن على الفور». ويشير المصدر إلى أنه «حتى الساعة لم تقع أي حادثة استثنائية، ولم يلحظ أهالي البلدة أي تحركات مشبوهة في الجبال والأودية خلافاً لما حاول البعض الترويج له».
في شدرا، أقرب نقطة عكارية الى الحدود اللبنانية ــــ السورية، حالة الخوف لا تقل حدة عن المناطق الأخرى. «أم نبيل»، المرأة الستينية، تدافع عن اتجاه أبناء بلدتها الى التسلح: «إذا هالشباب ما حمونا وحموا حالن، مين بيحمينا؟». وتضيف: «حتى نترك بلادنا وأرضنا ونروح صعب كتير، ما في بلد عربي بداخلو مسيحيين وما خربوه». وإذ يؤكّد أحد السكان «عدم وجود بيئة حاضنة للتنظيمات الإرهابية في المناطق السنية في عكار»، يعزو تفاقم الأزمة إلى الوجود السوري: «لا يمر أسبوع من دون أن نسمع عن مداهمات للجيش في مخيمات النازحين السوريين. نحن نتعاطف معهم، لكن الكثيرين منهم يتعاونون مع الإرهابيين ويرسلون لهم صوراً ومقاطع فيديو عن الطرقات الفرعية في عكار التي يمكنهم استخدامها، ويبلغونهم عن طبيعة القرى والمغاور التي يمكنهم التحصّن فيها». «جولة صغيرة على مخيم الريحانية الذي يضم أعداداً كبيرة من الإسلاميين المتشددين كفيلة بإثبات ما نقول»، يقول موظف في البلدية.
الضنية ليست أفضل حالاً. المحافظة التي ارتبط اسمها بالإرهاب في أذهان كثيرين منذ أحداث عام 2000، يشكو المسيحيون فيها من قلق، ضاعفته في الآونة الأخيرة شائعات عن وجود إرهابيين تابعين لتنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش» في جرودها. ورغم نفي اتحاد بلديات الضنية ما تناقلته وسائل إعلام عن وجود مجموعات مسلحة في جبال الضنية تقدّر بنحو 200 مسلح آسيوي، يجنح أبناء بعض القرى المسيحية نحو التسلح لحماية مناطقهم. يقول أحد أبناء بلدة كرم المهر إن مشروع «داعش» «لا يمكن أن يمر في لبنان لأننا مستعدون للتضحية بكل شيء مقابل منع هؤلاء من دخول أراضينا وإذلالنا». يضيف: «رغم الخلافات السياسية، وتحديداً حول ما يقوم به حزب الله في سوريا، عندما يصبح الخطر داهماً يتّحد الجميع. من جهتنا، بدأنا بتحصين منازلنا بالأسلحة التي نقوى على شرائها».