خرج رئيس مجلس النواب نبيه بري بانطباعات قاتمة في الموعد الـ35 لانتخاب رئيس للجمهورية الاثنين الفائت. رغم الملاحظة الذي اشاعها حضوره الى ساحة النجمة كما لو ان النصاب القانوني سيكتمل، بعدما كان قد انقطع في عدد من المواعيد السابقة عن الانتظار في مكتبه، الا ان بري بات يوحي اكثر من اي وقت مضى بفقدان الامل في «حل لبناني» يؤدي الى انتخاب الرئيس اللبناني.
الى اليوم، قصر دوره كرئيس للمجلس على تعيين مواعيد الجلسات وانتظار اكتمال نصاب الثلثين، وكرئيس لكتلة نيابية وازنة على التزام حضور الجلسات من دون استثناء. في خضم الانقسام غير المسبوق بين فريقي المرشحين المعلنين الرئيس ميشال عون والنائب سليمان فرنجية ــــ وقد بات الاستحقاق الرئاسي يدور في فلكهما وحدهما حتى اشعار آخر ــــ لم يقل الرجل مرة انه مع اي منهما او ضد احدهما، وتحدث امام زواره مراراً عن موقفه بالقول ان دوره كرئيس للمجلس ــــ كما كرئيس لكتلة نيابية رئيسية ــــ يبدأ عندما ينتهي دور الافرقاء الآخرين. تتكرر عبارة «الانفصام» على لسانه اكثر من مرة: «لم تعد قوى 14 آذار نفسها، ولا قوى 8 آذار نفسها كذلك. تفرّق الجميع او يكادون واختلفوا على المرشحين. الا ان ذلك لم يفضِ الى حسابات ايجابية او مخرج للمأزق الرئاسي. بل ضاعف الخلافات».
يقول رئيس المجلس لـ«الاخبار»: «يبدو ان ترياق انتخاب رئيس للجمهورية لم يعد لبنانيا. ليس هنا. راهنا طويلاً على الحل اللبناني من اجل ابقاء الاستحقاق في هذا النطاق، بيد انه فشل. اظن ان الفرصة الوحيدة التي يقتضي انتظارها تكمن في الحوار السعودي ــــ الايراني. انهما الترياق الوحيد على ما يبدو».
صنعنا نظاماً سياسياً كي يحمينا فاذا هو ينهكنا ويفتتنا

يلاحظ بري ايضاً ان الافرقاء المحليين اختبروا في الاستحقاق خيارات شتى عبثاً: «الرئيس سعد الحريري جرّب اولاً مع سمير جعجع، ثم مع العماد ميشال عون، ثم مع سليمان فرنجية. سمير جعجع جرّب مع نفسه مرشحاً، ثم طالب بمرشح توافقي، واصبح الآن مع العماد عون. لوليد جنبلاط مرشحه. لم يعد معروفاً اي حل آخر يمكن ان يُطرح بعد».
لفتت جلسة 8 شباط رئيس المجلس الى ان التعاطي معها «بدا كأنها رقم عادي على غرار الجلسات السابقة، مع ان البعض كان يأمل فيها بعد تحديد كل طرف تقريباً مرشحه. حضر 58 نائباً فقط رغم ان الكتل الرئيسية قالت انها ستحضر. لم تحضر كتلة المستقبل كلها، وحضر نصف كتلة القوات اللبنانية، وغاب مَن غاب. يبدو ان الجميع اصبح تحت وطأة التوقع المسبق. لم يعد احد ينتظر اكتمال النصاب».
ورغم اعتقاده بأن حكومة الرئيس تمام سلام «تحاول العمل بعدما فككنا الاشتباكات فيها، الا ان ايا من المراحل التي مررنا فيها، بما في ذلك سنوات الحرب، لم نشهد مثل هذا الاهتراء والتفكك في الدولة. كانت الاشتباكات في الشوارع وبين الاحياء، من دون ان يكون هناك برميل زبالة على الطرق. ما يجري اليوم من مواقف متناقضة بين الافرقاء من هنا وهناك، والانقسام الحاصل الذي جعل كل طرف في مكان، يجعلني اقول انه الجنون والانفصام. بل انها العصفورية نفسها».
يضيف رئيس المجلس: «صنعنا نظاماً سياسياً من اجل ان يحمينا، فاذا به مرة بعد مرة ينهكنا ويدخلنا في انقسامات. انه مرض الطائفية. اتفاق الطائف بدوره كرّس هذه الطائفية وما هو اسوأ حتى. كنت اول مَن ناديت في الاول من كانون الثاني 1995 من منبر الارمن الكاثوليك بتأليف الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، وليس الغاء الطائفية السياسية، فقاقت القيامة عليّ ولم تقعد، وخصوصاً من المراجع الدينية اول مَن رفض».
يقول بري ايضاً: «طرح الرئيس الياس هراوي عام 1998 مشروعاً اختيارياً للزواج المدني فقامت القيامة عليه ايضاً ولم يستطع وضعه موضع التنفيذ وأُلقي به في الادراج. مع ذلك طبّق الرئيس هراوي للمرة الاولى منذ اتفاق الطائف بنداً في الدستور يقضي بتوجيه رسالة الى مجلس النواب. وجه رسالة الى المجلس ضمنها موقفه من مشروع الزواج المدني الاختياري، فاكتفى مجلس النواب بتلاوتها وانتهى الامر عند هذا الحد. ها نحن الآن ندفع ثمن نظام الطائفية الذي نتمسك به ويفتتنا، طائفية تارة ومذهبية طوراً. ما نفعله في الحوارات الوطنية الثنائية، المصغرة والموسعة، همّه توفير الحد الادنى من الحماية والتحوط مما يدور من حولنا في المنطقة من نزاعات. ما يصيب رئاسة الجمهورية فيه شيء من هذا القبيل. ابحثوا عن الترياق في مكان آخر».