للمرّة 66، يعود «مهرجان برلين السينمائي الدولي» إلى واجهة كوكب السينما، في دورة جديدة (11 ــ 21 شباط/ فبراير 2016)، وشعار دبّ مختلف. هذا الافتتاح الدولي الفعليّ للموسم السينمائي، بعد أيام على ختام «ساندانس»، الذي تغلب عليه الصبغة الأميركية. منذ عام 1951 في «برلين الغربيّة»، واظب «برليناله» على النموّ والتشبيك، مركّزاً على برمجة رفيعة تجلب أبرز صنّاع السينما، توازياً مع الحرص على حضور الجمهور لمختلف نشاطاته. هكذا، بات الحدث الألماني المرتقب أكثر مهرجانات السينما حضوراً جماهيرياً، مع حوالى 300 ألف بطاقة مباعة، و500 ألف زائر، على الرغم من برودة الطقس في هذا الوقت من السنة. من أهل الصناعة، يأتي ما يقارب 20 ألف محترف، يحملون جنسيات أكثر من 130 بلداً. الصحافة حاضرة بقوّة من خلال 4200 صحافي، يرسلون تقارير ومراجعات لأكثر من 110 دول. لا شكّ أنّ مدير المهرجان ديتر كوسليك سعيد بذلك.
جديد الأخوين جويل وإيثان كوين Hail, Caesar! «يحيا القيصر!» (خارج المسابقة)، افتتح عروض هذا العام. اختيار صائب يوفّق بين السويّة الرفيعة لصانعين خارج التعريف، وبين المغناطيس الجماهيري مع ترسانة نجوم يشكّلها كل من جورج كلوني، وجوش برولين، وسكارليت جوهانسون، ورالف فاينس، وتيلدا سوينتن، وتشانينغ تاتوم، وفرانسيس ماكدروماند وجونا هيل. «باروديا» عن العصر الذهبي في هوليوود الخمسينيات، حين سيطرت الاستوديوهات الكبيرة على كل شيء، مستعبدةً المخرجين والنجوم وحتى القابعين في غرف المافيولا. السخرية الثقافية، وكوميديا التناقضات، تصرخ مجدداً في فيلموغرافيا الأخوين، مع قدرة فريدة على الإتيان بسيناريو خفيف الظل، عالي القيمة. أداءات متوهجة، وإسقاطات حاذقة على الراهن، تستتر بحكاية بسيطة ومشوّقة.
ستة أفلام من لبنان من بينها «مخدومين» لماهر أبي سمرا

الخيارات الصائبة تنسحب على لجنة التحكيم التي تقودها ميريل ستريب. للديفا الأميركيّة قصّة حب ذهبيّة مع المهرجان، كان آخرها «الدب الذهبي الشرفي» عن مسيرتها المهنيّة عام 2012، فيما سبقه «الدب الفضي» كأفضل ممثّلة عن «الساعات» لستيفن دالدري عام 2003، وجائزة «كاميرا برليناله» عام 1999. أسماء رفيعة تشارك ستريب الرأي حول من يستحق «الدب الذهبي» و«الدب الفضّي»: الممثل الإنكليزي كليف أوين، والمخرجة البولندية مالغورزاتا زموسكا، والمصورة الفرنسية بريجيت لاكومب، والناقد السينمائي الإنكليزي نيك جيمس، والممثل الألماني لارس إيدينجير. ثمّة حضور عربي في لجان التحكيم الأخرى: الناقد اللبناني محمد رضا رئيساً للجنة تحكيم الفبيرسكي لأفلام المسابقة الرسمية، والإماراتيّة حور القاسمي في لجنة تحكيم الفيلم القصير. «الدب الذهبي الشرفي» يذهب هذا العام إلى السينماتوغراف الألماني مايكل بولهاوس. العاصمة تكرّم ابنها الذي كان عين راينر فاسبندر، ومارتن سكورسيزي، وفرانسيس كوبولا، وريدفورد وباري ليفنسون ومايك نيكولز. جائزة «كاميرا برليناله» المخصّصة لمن قدّم خدمات جليلة للمهرجان، برسم ثلاثة هذا العام: أميركيّان هما المنتج والموزّع بين بارينهولتز، والممثّل تيم روبنز، إضافةً إلى مالك الصالات الألماني مارليس كيرشنر.
18 فيلماً تسابق على «الدب الذهبي» و«الدب الفضي» في «المسابقة الرسمية»، فيما يصل عدد الأفلام القصيرة المتنافسة إلى 25 من 21 بلداً. 5 أفلام تُعرَض «خارج المسابقة». قسما البانوراما يضمّانّ 51 عنواناً من 33 دولة. احتفاءً بالذكرى الثلاثين لجوائز «تيدي» المتعلّقة بالحريّات الجنسيّة، يعرض المهرجان 16 شريطاً في قسم «تيدي 30»، فيما تقترح «عروض برليناله الخاصة» 8 أفلام. على الهامش، تُعرَض ثلاثة أفلام نالت دعم مؤسسة «روبرت بوش شتيفتونغ» للمشاريع، منها الشريطان القصيران «حار جاف صيفاً» للمصري شريف البنداري، والمرشّح لأوسكار أفضل فيلم قصير «السلام عليك يا مريم» للفلسطيني باسل خليل. ملف اللاجئين لا يمكن أن يغيب في البلد الأوروبي، الذي تصدّر قائمة مستقبليهم. يتداخل السينمائي مع الإنساني والاجتماعي والسياسي، من خلال توعية الضيوف بـ «الأسباب التي تحوّل البشر إلى لاجئين، لكنّ المهرجان لن يغفل هدفه الرئيس بتقديم أفضل الأعمال السينمائية في العالم»، حسب مدير المهرجان. هذا يتم عبر بروشورات وندوات وجلسات نقاش، إضافةً إلى مشروع «العراب»، إذ يُسمَح لمتطوّعين يعملون مع اللاجئين بإحضار أربعة أشخاص، لحضور الأفلام مجاناً والتجوّل في الكواليس. أيضاً، هناك شاحنة طعام يعمل فيها لاجئون، تُعنى بإعداد وجبات من مختلف مطابخ البحر المتوسط بمساعدة شيف شهير. أكثر من ذلك، جورج كلوني وزوجته المحاميّة من أصل لبناني أمل علم الدين، أبديا اهتماماً خاصاً بهذا الملف، من خلال الاجتماع ببعضهم، والتباحث مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في «ما يمكن أن تسهم به هوليوود في هذه المشكلة». هنا، يبرز وثائقي «نار في البحر» (المسابقة الرسميّة) للإيطالي جيانفرانكو روزي. يأخذنا صاحب «الأسد الذهب» عن «ساكروغرا» عام 2013 إلى جزيرة «لامبيدوزا»، التي صارت مقصداً شهيراً لقوافل اللاجئين. الموت مرافق للباحثين عن النجاة، ومؤثّر في أهل الجزيرة الذين يحاولون المساعدة.
في المسابقة أيضاً، يبرز الروائي التونسي «نحبّك هادي» لمحمد بن عطيّة، الذي يعيد بلاده إلى منافسات برلين بعد 20 عاماً من «صيف حلق الوادي» (1996) لفريد بو غدير. «هادي» (مجد مستورة) يعيش حياة آلية معدّة سلفاً من قبل والدته. ينقلب كل شيء عندما يلتقي «ريم» (ريم بن مسعود)، خلال رحلة عمل إلى منتجع «المهديّة» الساحلي، فيتحوّل بقوّة الحب إلى صاحب قرار ورؤية. هذه تونس المستكينة التي غيّرها شباب الثورة تماماً. نذكر هنا «على حلّة عيني» (2015) لليلى بو زيد، الذي حقق جائزة أفضل فيلم في «مهرجان دبي السينمائي» الأخير. في «الملتقى» و«الملتقى الموسّع»، ثمّة حضور عربيّ لافت. «آخر أيام المدينة» باكورة المصري تامر السعيد في الروائي الطويل، بعد وثائقيات عدة. مخرج شاب يسعى إلى إخراج فيلم عن القاهرة، في لحظة يكاد يفقد فيها كل شيء. باستخدام الروائي والتسجيلي، يمزج بين مسار حياته وبين مواقف تواجه أصدقاءه، لسبر أعماق مجتمع جاهز للانفجار الثوري. السينما المصريّة تشارك أيضاً بـ «منتهي الصلاحية» لإسلام كمال، و«فتحي لا يعيش هنا بعد الآن» لماجد نادر، و«كما تحلق الطيور» لهبة أمين، و«ذاكرة عباد الشمس» للمى زايد. «بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ، أول شريط سعودي طويل يُعرَض في المهرجان. التسجيلي السوري «منازل بلا أبواب» لآفو كابرئليان، يتناول التغيرات في حياة عائلة أرمنية، تعيش في حي الميدان الواقع على خطوط التماس في حلب، وصولاً الى مغادرة العائلة إلى بيروت مطلع عام ٢٠١٥.
«مادة سحريّة تسري داخلي» تسجيلي للفلسطينية جمانة مناع، يتناول التنوّع الموسيقي المرتبط بتعدّد الأجناس والأعراق في القدس. كذلك، يُعرَض الخيال العلمي القصير «في المستقبل أكلوا من أفخر أنواع البورسلين» للاريسا صنصور وسورين ليند. ستة أفلام آتية من لبنان: تسجيلي طويل هو «مخدومين» لماهر أبي سمرا، و5 أفلام قصيرة، هي: «وضعية تسلل» لمروان حمدان، و«أحجار آلهة بشر» لجو نامي، و«الآن نهاية موسم» لأيمن نهلي، «المرحلة الرابعة» لأحمد غصين، و«أبو عمار قادم» لنعيم مهين.
في «البانوراما»، يشارك الجزائري رشيد بو شارب بجديده «الطريق إلى إسطنبول». روائي طويل يلاحق أمّاً بلجيكية تسعى لإنقاذ ابنتها التي التحقت بداعش. هشام العسري يصل بجديده «جوّع كلبك»، الذي جال مهرجانات كبيرة مثل تورنتو ودبي. كالعادة، نحن في صدد شريط إشكالي أسلوباً ومضموناً. ينبش «سنوات الرصاص» في المغرب، من خلال وزير الداخلية السابق إدريس البصري الذي كان الذراع القمعية القذرة للمملكة. فيلمان يحملان أعلام دول أوروبيّة بتوقيع مخرجين عرب: البريطاني «عودة إنسان» للفلسطيني مهدي فليفل في مسابقة الأفلام القصيرة، والفرنسي «ثورتي» للتونسي رمزي بن سليمان في مسابقة أفلام الفتية الطويلة (أكثر من 14 سنة). من مختلف جهات الكوكب، تحضر أسماء لامعة لتزيد العناوين اشتعالاً، منها مايكل مور، وسبايك لي، جيف نيكولز، وكيوشي كوروساوا، وأندره تيشنه وتوماس فينتربيرغ.