فيروز والرحابنة
«ألعينيكِ تأنّى وخَطَرْ/ يفرشُ الضّوء على التلّ القمر؟/ ضاحكاً للغُصن، مرتاحاً إلى/ ضفة النهر، رفيقاً بالحجر». قصيدة «ألعينيك» (ديوان «رندلى»)، وهي واحدة من معظم قصائده التي تغني نفسها، فكيف بالأحرى لو غنتها فيروز؟ كتب سعيد عقل الكثير عن فيروز وصوتها، كما وصفها دائماً بالإلهة.

وحين غنّت فيروز قصائده ولحّنها الأخوان رحباني، فضّل الموسيقى على كلمات أغنياته، وبالطبع فضّل صوتها على الموسيقى والكلمات. وقد حمل عدد من قصائده بصمات فيروز والأخوين رحباني منها: «حملت بيروت» و«يا شام عاد الصيف» و«خذني بعينيك» و«سائليني» و«شام يا ذا السيف» و«قرأت مجدك» و«سيفٌ فليشهر» و«يارا» و«بحبك ما بعرف» و«أمي يا ملاكي» و«شال» و«أحب دمشق» و«بالغار كللت» و«أردن» و«عمّان في القلب» و«فتحهن عليي» و«من روابينا القمر» و«غنيت مكة» و«مشوار» و«مرجوحه» و«بيبقى المسا» و«لاعب الريشة» و«دقيت.. طل الورد عالشباك» و«لمين الهدية».

سقطات

لن يغيب مشهد سعيد عقل وهو يدعو عام 1982 إلى قتال الفلسطينيين مع جيش العدو الإسرائيلي خلال اجتياح بيروت. هذا المشهد وحده كان سبباً كافياً لدى البعض لمحو شعره وتركته الأدبية بأكملها. لكن بالعودة إلى سنواته الأولى، كان عقل مقاوماً مع أهالي بلدته زحلة ضد حكومة الانتداب الفرنسي عام 1935. ألقى حينها خطاباً يدعو إلى الكفاح من أجل نيل الاستقلال، اعتقلته السلطات الفرنسية على إثره. عام 1948، طالب مجدداً بجمهورية مستقلّة إلى جانب ثوّار زحلة، ما وضعه في مواجهة مع رئيس الجمهورية بشارة الخوري. وقد طرد بسبب هذا الخلاف من «مدرسة الآداب العليا» حيث كان يدرّس، ومن مجلّة «الشراع». هكذا، أرسل خلال تلك الفترة قصائده إلى الإذاعة السورية، ليقرأها مديرها أحمد عسيفي في برنامج خاص. حين انتخب عضواً في مجلس بلدية زحلة، استقال للترشح للانتخابات النيابية الفرعية عام 1965 من دون أن ينجح. كذلك يعدّ عقل من أهم دعاة القومية اللبنانية، وشارك عام 1972 في تأسيس «حزب التجدّد اللبناني»، كذلك كان يعتبر الأب الروحي لحزب «حراس الأرز». بين 1975 و1976، انضمّ إلى «جبهة الحرية والإنسان»، قبل أن يتركها. أما أفكاره السياسية، فقد نشرها في جريدته «لبنان» الناطقة بالعامية اللبنانية، والتي أطلقها عام 1977. بعد مجزرة صبرا وشاتيلا (16 أيلول 1982)، كتب في هذه الجريدة عنوانه الشهير والصادم «نحن منقلّن لأبطال عملية صبرا وشاتيلا: كل لبنان معكن، كمّلو».

القومية اللبنانية

التصق مصطلح «القومية اللبنانية» بإسم سعيد عقل، التي دعا إليها دائماً لمواجهة القومية العربية. أدّت أبحاثه حول تاريخ لبنان إلى ترسيخ قناعاته القومية اللبنانية، التي تعدّ مسرحيته «قدموس» (1944) تعبيراً عنها. في مؤلّفه النثري «لبنان إن حكى» (1960) كتب عن أمجاد لبنان بأسلوب قصصي، يتأرجح بين التاريخ والأسطورة والبطولة. مع ديوانه «يارا» (1961) أطلق عقل مشروعه اللغوي الأبجدي للكتابة بالعامية اللبنانية. وجد لها أبجدية خاصة مستوحاة من اللاتينية التي يعتبرها أيضاً إحدى تنويعات اللغة الفينيقية. اعتقاده أن المستقبل هو لهذه اللغة المحكية، أثار مواقف وجدالات كثيرة، ستضعه لاحقاً في موقع سجالي (على المستويين الأدبيّ واللُّغوي) مع المؤمنين بانتماء لبنان إلى الدول العربية، والكتاب والأدباء الداعين إلى المحافظة على اللغة الفصحى كجزء من هذه الهوية العربية. واصل عقل مشروعه «اللبناني»، منجزاً أهم القصائد بالعامية. وقد أصدر 1978 ديوانًا تحت عنوان «خماسيات» (مختلفة عن «خماسياته» المكتوبة بالعربية الفصحى).عام 1962 أطلق جائزة شعرية، تمنح للشخص الأفضل الذي يزيد «لبنان والعالم حباً وجمالاً». كذلك أسس عام 1977 جريدته «لبنان» الناطقة بالعامية اللبنانية.