أراد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أمس لمّ شمل فريق 14 آذار في صورة واحدة، داعياً ــ في ختام كلمته في الذكرى الـ11 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري ــ قادة هذا الفريق إلى التقاط صورة على مسرح قاعة البيال. لكنه، لم يفعل عملياً سوى احتضان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، وإدارة ظهره لحليفه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. تصرفٌ رأت فيه مصادر 14 آذار إهانة وجّهها الحريري لجعجع، بعد الإهانة التي وجّهها في مضمون الخطاب عندما توجه الى جعجع بالقول: «أديش كنت وفّرت على المسيحيين ولبنان» لو تمت مصالحته مع العماد ميشال عون منذ زمن. خطاب رئيس المستقبل لم يحمل جديداً يمكن القول إنه سيُحرك الاستحقاق الرئاسي. صحيح أنه تحدّث عن «تفاهمه» مع النائب سليمان فرنجية، لكنه لم يعلن بالفم الملآن أن فرنجية هو مرشحه الرئاسي. وصحيح أنه نفى أن يكون قد توصّل قبل نحو سنتين إلى تفاهم رئاسي مع عون، إلا أنه أعلن فتح الباب أمام أي مرشح يلتزم اتفاق الطائف، فضلاً عن عدم إقفاله نافذة اختيار مرشح من خارج نادي الأقوياء الأربعة.خطاب الحريري أثار ردة فعل شاجبة في الأوساط القواتية والعونية على السواء، بسبب «الأسلوب الذي اعتمده في التعامل مع القوى الممثلة لغالبية المسحيين». وجرى التعبير بوضوح عن ردة الفعل هذه من قبل القواعد الشعبية للطرفين عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تمنت لو أن جعجع لم يحضر المناسبة. وفيما عبرت أوساط قريبة من الفريقين عن شجبها لتصرف الحريري ومحاولته المستمرة لإحداث شرخ بين المسيحيين، أكدت في المقابل أن أفضل ما قدمه خطاب البيال أنه سيرتدّ إيجاباً على علاقة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وسيتمثل ذلك قريباً في مشهدية معبرة وفي الانتخابات البلدية والنيابية.
رأت مصادر في 14 آذار في تصرف الحريري، في الخطاب وبعده، «إهانة علنية» لجعجع

وفي الملاحظات التي أوردتها مصادر الطرفين:
ـــــ أن الحريري لم يراع وجود جعجع في مقدم الحضور وسعيه الى تحييد مناسبة ١٤ شباط عن الخلافات حول ملف الرئاسة، بل سعى الى توجيه الملامة لجعجع، محملاً إياه ما حصل للمسيحيين حين توجه إليه بالكلام عن المصالحة المسيحية، وقوله إنه كان يتمنى لو أن هذه المصالحة جرت قبل سنين.
ـــــ انتظر الحريري أكثر من عام لينفي ما قيل عن اللقاء الذي جمعه مع العماد عون في بيت الوسط وقبله في باريس، واتفاقهما على الملف الرئاسي، ووعده لعون بالسير في هذا الاتفاق. ولفتت المصادر إلى أن مسار الأحداث بعد لقاء باريس بينه وبين عون في كانون الثاني 2014 يؤكد عكس ذلك، بدليل استدعائه يومها كل حلفائه لوضعهم في صورة ما جرى بينه وبين عون. كذلك وصل اتفاق الرجلين إلى درجة استدعت تدخل وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل لوضع فيتو على وصول عون إلى الرئاسة. ومن الأدلة التي تُساق أيضاً لنفي نفي الحريري، أن التواصل بينه وبين الجنرال وصل قبل سنتين إلى التفاوض على تأليف حكومة ما بعد الانتخابات الرئاسية وعلى قانون الانتخابات النيابية والتعيينات الأمنية.
ـــــ أراد الحريري خلق جو من الألفة مع حزب الكتائب إن بالنسبة الى الرئيس أمين الجميل أو النائب سامي الجميل واحتضانهما في مواجهة عون وجعجع.
ـــــ أراد الحريري إعادة تعويم الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار مرة في خطابه، ومرة ثانية حين دعا النائبين السابقين سمير فرنجية وفارس سعيد الى المسرح للصورة التذكارية في مواجهة جعجع.
وكان الحريري قد أكّد في كلمته أن تيار المستقبل «لا يخشى وصول أي شريكٍ في الوطن» الى رئاسة الجمهورية، «طالما أنه يلتزم اتفاق الطائف وحدود الدستور والقانون وحماية العيش المشترك وتقديم المصلحة الوطنية وسلامة لبنان على سلامة المشاريع الإقليمية». وقال إن من بين المرشحين الموارنة الأربعة، لم يبق سوى فرنجية، شارحاً ظروف تأييده للأخير، منذ أن اجتمع القادة الموارنة الأربعة في بكركي، «واتفقوا، في ما بينهم، وبرعاية بكركي، على أنه ما من مرشح مقبول لرئاسة الجمهورية إلا واحداً من هؤلاء الأربعة. بدأنا بمحاولة إنهاء الفراغ بالدكتور سمير جعجع. نزلنا إلى الجلسة وكل جلسة، 35 مرة، من دون نتيجة، وبقي الفراغ. في هذه الأثناء، طرحت داخل 14 آذار فكرة أنه إذا لاقى الرئيس أمين الجميل قبولاً من قوى 8 آذار أو من أي طرف في 8 آذار، يسحب الدكتور جعجع ترشيحه لمصلحته. هذا الأمر لم يحصل وبقي الفراغ. قبل ذلك، كنا قد فتحنا حواراً مع العماد ميشال عون، وكانت نتيجته تشكيل حكومة جديدة. لكننا لم نتوصل إلى نتيجة في ملف رئاسة الجمهورية، ولم نرشح العماد عون، بعكس ما يقول البعض اليوم، ولا حتى وعدناه بتأييد ترشيحه، وبقي الفراغ. بعد سنة ونصف سنة من الفراغ، وبعدما رفض كل الأطراف، حلفاء كانوا أو خصوماً، تبني مرشح توافقي من خارج الأربعة، فتحنا حواراً مع الوزير فرنجية بعدما أقفل كل مجال. توصلنا معه الى تفاهم لإنهاء الفراغ، ووضع حد للتدهور، والعمل على تحسين وضع لبنان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والمعيشي، وحماية النظام والسلم الأهلي».
ولفت الحريري إلى أن تفاهمه مع فرنجية خلط الأوراق، ودفع القوات والتيار الوطني الحر إلى التصالح «بعد 28 سنة، وليتها حصلت قبل زمن بعيد، كم كانت وفرت على المسيحيين وعلى لبنان»، معتبراً أن تنازل جعجع عن الترشح للرئاسة وترشيح عون «من حقه وحق الجنرال عون». وأضاف: «الآن بات لدينا ثلاثة مرشحين: الوزير فرنجية، الجنرال عون والنائب هنري حلو. ويمكن أن يكون هناك مرشحون آخرون».
وأشار إلى «المناخات غير المستقرة» التي تسود فريق 14 آذار، داعياً إلى مكونات هذا الفريق، «وفي طليعتها تيار المستقبل، إلى القيام بمراجعات نقدية داخلية، يمكن أن تتولى الأمانة العامة تحريكها والعمل عليها لتتناول كل جوانب العلاقة» بين هذه القوى. وكعادته، هاجم حزب الله ومشاركته في قتال القوى التكفيرية في سوريا، كذلك دافع عن السعودية.