ثمانية أفلام هو حجم المشاركة اللبنانية في «مهرجان دبي السينمائي» من أصل ما يقارب 120 فيلماً. تتنوع هذه المشاركة بين أعمال روائية قصيرة ضمن جائزة «المهر القصير 1»، وأعمال وثائقية، لكنّ جميعها يلتقي عند تيمات الحرب الأهلية وآفة الطائفية والثورات العربية. ضمن جائزة «المهر القصير 1»، تشارك أربعة أفلام هي: «سايبة»، و»تانغو الثورات»، و»ومع روحك»، و»ضوء». تتنوع القضايا في الأفلام الأربعة، لكنها بمجملها تصبّ في خانة الحرب الأهلية ومخلفاتها على البنية الاجتماعية والمناطقية والثقافية، وننتقل إلى حكاية الاحتلال الاسرائيلي ثم إلى مشاهد أكثر التصاقاً بالواقع العربي وما يحدث فيه من ثورات وانتفاضات وفوضى.
يروي «ومع روحك» للمخرج اللبناني كريم الرحباني حكاية الكاهن جريس الذي يقتل شخصاً عن طريق الخطأ، فيعيش الصراع بين إخبار الكهنة عن الحادثة أو إخفائها. ويزداد وضعه سوءاً عندما يتراءى له طيف الولد أمين لدى محاولته إخفاء الجثة. هذا الفيلم (18 دقيقة) من تمثيل جوزف شمالي، وعبد الهادي عساف، مُنح سابقاً جائزة من قبل لجنة «جائزة أوربت للأفلام الشرق اوسطية القصيرة» في «مهرجان بيروت الدولي للسينما». ونتابع ندى بو فرحات في فيلم قصير هو «تانغو الثورات» للمخرج إيلي كمال، ويشاركها التمثيل مدرب الرقص مازن كيوان. يعالج الفيلم الثورات من وجهة نظر جديدة ومختلفة، إذ يصوّر المخرج الصمت والرقص فقط، ليكون الأخير هو المهيمن على مشاهد الشريط القصير (20 دقيقة).
بقرة باسم بريش تعبر
فلسطين المحتلة إلى لبنان


يطرح المخرج قضية أساسية في خضم الواقع العربي، هي مسألة الاستمرار في الحياة رغم الظروف السياسية والحياتية الصعبة عبر زوجين قررا مواصلة حياتهما وحماية أسرتهما من كل ما يحدث بالرقص. أما الفيلم الثالث فهو «سايبة» (18 د) للمخرج باسم بريش من تمثيل علي شبلي، وآنجي صالح، وعايدة صبرا. ويعرض الشريط مسألة الحدود مع «اسرائيل» ومهمات الأمم المتحدة من خلال بقرة تعبر الحدود من فلسطين المحتلة إلى لبنان، بينما لا ينجو فيلم «ضوء» لياسمينا كراجة من رواسب الطائفية التي تشكل المرجعية الأولى للأعمال اللبنانية، إذ يواجه الرجل اللبناني المقيم في المهجر تحدي إقامة دفن ابنه المتوفى وفق الشعائر الإسلامية، تلبية لرغبة أمه. اللافت في هذه الأعمال أنّها ذات إنتاج لبناني مشترك مع جهات غربية أو عربية.
ضمن فئة الأفلام الوثائقية، تشارك الأعمال اللبنانية الباقية التي لا تزال عالقة في زمن الحرب أيضاً، فتعرض لنا الشرخ الطائفي، وهواجس التقسيم المناطقي. مثلاً، تقدم هند شوفاني فيلمها الأول «رحلة في الرحيل» (إنتاج لبناني فلسطيني) من خلال الجمع بين السيرة والسرد الوثائقي، فتبني قصتها في استعادة لـ 70 عاماً من حياة والدها. تبرز توجّه والدها الى العمل السياسي في السرّ، وكيف كانت العائلة تخفي عمله، اذ كان يتوجب عليها أن تخبر الناس أنها ابنة كاتب. تنبني قصة الفيلم على الحرب والحب والذاكرة المثقلة بالأحداث السياسية التي كانت تشكل حياة الفلسطينيين وخبزهم اليومي. ويعكس العمل المفاصل التاريخية في المنطقة من النكبة حتى أتون النار المشتعل في سوريا منذ أربع سنوات. هذا العرض للأحداث المرتبطة بزمن الحرب، يتواصل مع رين متري في فيلمها «لي قبور في هذه الأرض» في عرضه الأول في دبي. تقدم المخرجة اللبنانية التقسيم الطائفي للأراضي والمناطق في حلقة مستمرة منذ الحرب الأهلية وتضيء على كيفية بيع الأراضي بين الفئات المسلمة والمسيحية. أما «هوم سويت هوم» فهو العمل الأبرز عن الحرب الأهلية. تتحدث فيه نادين نعوس عن تركها بلاد المهجر وعودتها إلى بلدها لبنان، حين تدرك أن والدها يعاني من مشاكل مادية، فتكون أكثر قرباً من الراهن وما خلفته الأحداث السياسية على حياة الناس اليومية. الفيلم اللبناني الأخير ضمن الأعمال الوثائقية هو «يوميات كلب طائر» لباسم فياض الذي يحكي قصة رجل وكلبه الصغير، وكيف يجمعهما الوسواس القهري، في رحلة علاجهما المشتركة. يفكك الفيلم البيئة من خلال الكلب الذي هو أداة المخرج، فيعيد ترتيب الذاكرة المفعمة بالخوف والحرب والحب.
بالتعرف إلى الأفلام اللبنانية المشاركة في «دبي»، نلاحظ أنّها أسيرة لعنة الحروب والطائفية والاستعمار واسرائيل. هي عالقة في هذا الماضي الأليم، لأنّ المجتمع اللبناني يعيش تبعاته حتى في «زمن السلم». علماً أنّه كانت للأفلام اللبنانية التي تحدثت عن الحروب في الدورات السابقة من المهرجان حظوظ في الحصول على جوائز المهر الذهبي منها «رصاصة طايشة» (2010) للمخرج جورج هاشم، و«تحت القصف» (2007) لفيليب عرقتنجي، فهل يكون لها نصيب من الجوائز في هذه الدورة أيضاً؟