القمع السعودي للإعلام اللبناني: فضيحة تتوالد فضائح

القمع السعودي للإعلام اللبناني: فضيحة تتوالد فضائح

  • 0
  • ض
  • ض

خبر من أسطر قليلة، ورد على معظم وسائل إعلام العائلة المالكة في ذلك النظام. الخبر يقول: "وجّه وزير الثقافة والإعلام، الدكتور عادل الطريفي، بإيقاف قناتي "الميادين" و"المنار" المواليتين لإيران وحزب الله. وكانت القناتان المواليتان لإيران وحزب الله قد شنَّتا هجمات إعلامية متوالية على السعودية، لفّقتا من خلالها الكثير من الشائعات والأكاذيب خلال "عاصفة الحزم". وعلم بأن التوجيهات بإيقاف القناتين تأتي في وقت تعمل فيه وزارة الإعلام على إطلاق قناة باللغة الفارسية، إضافة إلى موقع إلكتروني"... انتهى بيان الخبر السعودي. ليست المشكلة في البيان. فلكل نظام، خصوصاً إذا كان من النوع السعودي، أن يقوم بما ينسجم مع طبيعته وجوهره، فضلاً عن مصالحه، خصوصاً عند الشعور بالمآزق والأزمات والخسائر والانهيارات. لكن المشكلة والكارثة والفضيحة، في ما تلى البيان وأعقبه من مسخرة. ذلك أن ما اعترفت الرياض بشكل سافر أنه توجيه من نظامها بإسكات محطة تلفزيونية لبنانية، مرخّصة من قبل الحكومة اللبنانية، وخاضعة للأنظمة والقوانين اللبنانية، تحول عملياً إلى عملية استباحة واجتياح، لا لسيادة لبنان وحسب، بل لسيادة الدول العربية مجتمعة. فضلاً عن انتهاك لكل القوانين الإدارية والتجارية. هذا إذا سلّمنا بأن منطق حقوق الإنسان والحريات العامة، مسألة لا يمكن أن تشكّل أرضية مشتركة للنقاش مع النظام السعودي. ذلك أن توجيه حكام الرياض لم يلبث أن نُفِّذ في لبنان. كيف؟ طبعاً لا بواسطة سلطاته الرسمية، ولا عبر مؤسساته الدستورية. ولا عبر أي قناة دبلوماسية معتبرة بحسب القانون الدولي. ترجم القرار السعودي فوراً، عبر ما يسمى مؤسسة "عربسات". لتظهر هنا الفضيحة المكمّلة. فالمؤسسة المذكورة لها وجهان اثنان: هي أولاً مؤسسة تجارية. وهي ثانياً، مؤسسة تعاون بين ــــ حكومية. أي أنها مشكّلة بالتكافل والتضامن بين حكومات البلدان العربية. هكذا تتوالى فصول الفضيحة العربية. فلجهة كون "عربسات" مؤسسة تجارية، تشير الوقائع إلى أن هذه المؤسسة خاضعة لجمعية عمومية تمثل مجموع المساهمين الذين يملكونها. ثم إن الجمعية العمومية هذه، تنتخب مجلس إدارة للإشراف على العمل اليومي لمؤسسة عربسات. هكذا، يظهر أن الفرمان السعودي، تخطى من حيث الهرمية الإدارية للمؤسسة عربسات، مجلس إدارتها، كما جمعيتها العمومية. ونفذ مباشرة بأمر من المسؤول السعودي إلى المدير التنفيذي للمؤسسة، السعودي الجنسية أيضاً، خالد بالخيور. لتكتمل الفضيحة، في شقها الإداري أيضاً، في كون مجلس إدارة عربسات، وطبعاً أعضاء جمعيتها العمومية، على غير علم بما حصل. أما الأنكى في السياق نفسه، أن لبنان هو عضو في تلك الجمعية العمومية. وهو يحتل المرتبة السابعة بين الدول العربية، لجهة حصته في عربسات ونسبة مساهمته المالية فيها. ومع ذلك، طار الفرمان السعودي من فوق كل تلك الأنظمة، وحط كماً للإعلام اللبناني. أما في الوجه السياسي لمؤسسة عربسات، فيظهر أنها كوكالة تعاون بين الحكومات، خاضعة لوصاية جامعة الدول العربية. وتحديداً، لوصاية مجلسي الوزراء العرب، للإعلام والاتصالات. حيث لبنان ممثل في المجلسين، فضلاً عن كونه عضواً مؤسساً للجامعة نفسها. وهنا أيضاً، تمظهرت الفضيحة نفسها: القرار السعودي، نفذه الموظف السعودي، من دون علم أي من الهيئات الحكومية الدولية العربية التي تشرف على عمل عربسات. لا وزراء الإعلام العرب، ولا وزراء اتصالاتهم، ولا جامعة دولهم. ما يجعل الانتهاك السعودي للسيادة الوطنية شاملاً لكل الدول العربية من دون استثناء. انتهاك أفظع ما فيه، أن أي جهة وزارية أو حكومية لبنانية، لم ترد عليه حتى اللحظة. بمعزل عن النيات الطيبة والإعلانات الكلامية بين الجدران المغلقة. خصوصاً في ظل معلومات عن مسائل أكثر حساسية وتمييزاً وانتهاكاً للدستور اللبناني نفسه، يتم إمرارها عبر أنظمة تلك المؤسسات وعقودها! لا ينتهي مسلسل الفضيحة السعودية بضرب الإعلام اللبناني عند هذا الحد. فمن الناحية القانونية يشكل العسف السعودي خرقاً للعقود بين عربسات والمؤسسات الإعلامية، كما لأنظمة عربسات نفسها في مجملها. ومن الناحية السياسية، قد يشكل – في حال السكوت عنه أو إمراره بالتواطؤ أو التخاذل – مدخلاً مشرعاً لقمع سعودي قد يطاول أي وسيلة إعلامية لبنانية أو عربية، تعمل على هذا القمر. لا بل أكثر من ذلك، قد يكون هذا المدخل تمهيداً لممارسات قمعية مشابهة، قد تطال مجالات إعلامية أخرى أوسع انتشاراً وأكثر تأثيراً في تكوين الرأي العام. وصولاً إلى احتمال قمع خطوط شبكة إنترنت، كلياً أو جزئياً، ودوماً بخلفيات مزاجية تعسفية. هكذا تظهر معالم تلك الفضيحة بكل أبعادها. ليست مسألة محطة تلفزيونية واحدة. بل قضية كل الإعلام في لبنان. بل كل إعلام عربي. وليست قضية إعلامية وحسب. بل مسألة سيادية وطنية أيضاً وأصلاً. وليست قصة مصلحة دولة أو نظام، بل هي جريمة ضد حرية وحق إنساني طبيعي أصيل. وحيال انتهاك كهذا، لا حجة ولا ذريعة ولا عذر لأي مسؤول في التنصل أو العجز. أما أخبث التواطؤ مع الجريمة المذكورة الموصوفة، فهو الصمت.

0 تعليق

التعليقات