قبل أسبوعين، احتفل المجلس النيابي بإعلان الخطة الوطنية لحقوق الإنسان. واعتمدت الخطة فترة سبع سنوات (2013 - 2019) لإنجازها بصفة شاملة. يفترض أن تشكل هذه الخطة، بعد إقرارها رسمياً في مجلسي الوزراء والنواب، إعلاناً دستورياً مكملاً، علماً بأن تنفيذها يحتاج إلى مراجعة التشريعات والمراسيم والقرارات الإدارية النافذة وتعديلها، أو إصدار أخرى جديدة، أي ما مجموعه ٦٦ قانوناً، عدا عن تدريب الكوادر البشرية وتمكينها على سبيل تنفيذ محتوياتها.
تشير الخطة الوطنية لحقوق الإنسان الى أن وضع السجون في لبنان، بما فيها أماكن الاحتجاز الاحتياطي، لا ترقى إلى أي من الوظائف السامية التي يفترض أن تلعبها السجون. فقياساً على «القواعد الدنيا لمعاملة السجناء» الصادرة عن الأمم المتحدة، يمكن اختصار وضع السجون بأنه يتأرجح بين السيئ والسيئ جداً واللاإنساني.
أما أبرز المشاكل التي تعانيها السجون في لبنان، بحسب الخطة، فهي الاكتظاظ الشديد «الخانق» لجميع السجون التابعة لوزارة الداخلية وهو يتجاوز نسبة متوسطة قدرها ٣٠٠% تقريباً من طاقة جميع الأبنية على الاستيعاب.
وتطرح الخطة تساؤلات حول التوقيف الاحتياطي لما يقارب 30 ألف شخص سنوياً. يعني ذلك عملياً أحد أمرين: إما أن يوقف القضاء 26 ألف شخص من دون حاجة، لأنه يعود فيخلي سبيلهم، وإما أن إخلاءات سبيل الـ 26 ألفاً لم تكن صحيحة وتشكل خطراً على السلامة العامة أو على صحة التحقيق. كل ذلك يشير الى خلل في عمل المحاكم، إن لجهة البطء في المحاكمات، أو لجهة استعمال مفرط، أو حتى مخالف للقانون في بعض الأحيان، لحق التوقيف الاحتياطي.
الاستحقاق الأهم، الذي تطالب الخطة بأن يجري الالتزام به، هو الاتفاق على نقل مسؤولية إدارة السجون من وزارة الداخلية الى وزارة العدل، على أن يكون التنفيذ ضمن خمس سنوات، يفترض أن تنتهي في عام 2012. وإلى حين تحقيق انتقال الإدارة الكامل الى وزارة العدل، تقترح الخطة إيلاء صلاحية إدارة جميع السجون، بما فيها النظارات، لهيئة عامة مستقلة تخضع لوصاية وزارة العدل، تكون برئاسة قاض وعضوية ممثلين عن سائر الوزارات والاختصاصات المعنية بحسن إدارة السجون، وممثلين عن نقابتي المحامين وهيئات المجتمع المدني. كما تدعو الخطة الى توحيد إدارة السجون من قبل جهة واحدة مهنية متخصصة ودائمة، وإلغاء تعدّد الجهات ولا سيما وزارة الدفاع، والقسم التابع حالياً لفرع المعلومات في سجن رومية.
تطرح الخطة مجموعة توصيات حتى يتوافق واقع السجون ومقتضيات السياسات الجنائية الحديثة. التوصية الأولى تقضي بإقفال جميع الأبنية المستعملة كسجون في جميع المحافظات في أقرب وقت ممكن، والتي لا تتوافر فيها الشروط الهندسية لاستعمالها كسجون (وهي عملياً جميع السجون اللبنانية باستثناء سجن رومية المركزي)، والاستعاضة عنها ببناء سجون مركزية جديدة في كل من محافظتي الشمال والجنوب، وإصلاح سجن زحله وغيرها من السجون التي سوف تبقى قيد الاستعمال، ولو مرحلياً.
وتوصي الخطة، خصوصاً، بإقفال سجن وزارة الدفاع في اليرزة وسجن قيادة قوى الأمن الداخلي «سيّار الدرك»، وإلغاء المرسومين اللذين أنشآهما، والاستعاضة عنهما ببناء جناح مستقل في سجن رومية خاص بحاجات الحماية الأمنية القصوى للمساجين الموضوعين فيه. كما توصي بإقفال نظارة الأمن العام، والاستعاضة عنها ببناء وتجهيز نظارة جديدة خاصة بالسجناء والموقوفين الأجانب المخالفين لقوانين السفر والهجرة. وقد بدأ العمل على ذلك البناء في محيط سجن رومية المركزي.
وفي موضوع الموقوفين احتياطياً، توصي الخطة بضرورة الإسراع في إنجاز التحقيقات والمحاكمات، من قبل القضاة والمحاكم المختصة، والعمل قدر الإمكان على تقليل قرارات التوقيف الاحتياطي. وتطوير وتتظيم سوق الموقوفين في الأوقات المناسبة من دون إبطاء الى مختلف المحاكم، وتوفير الأماكن الكافية لاستقبال الموقوفين في النظارات، إضافة إلى التشدّد في تطبيق المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب وسائر الأحكام القانونية اللبنانية التي تحظر التعذيب وسوء المعاملة والمعاملات المهينة أو الحاطّة بالكرامة، والتشدد في ملاحقة كل فاعل أو شريك أو محرض على ممارسات التعذيب ومعاقبته.
الترجمة العملية لهذة التوصية، تبرز مشروع القانون الذي تقدم به النائب غسان مخيبر قبل أسبوعين بعنوان «تجريم التعذيب». ويتضمن مشروع القانون، الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، تعديلات على عدد من مواد قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية.
وتشمل ورشة تعديل قانون العقوبات أيضاً، بحسب الخطة، تطوير العقوبات البديلة للسجن، مثلاً: الأشغال للمنفعة العامة، الغرامات النقدية، دفع تعويض إضافي للضحية أو ذويها، اتخاذ التدابير الاحترازية كالحجز في مأوى احترازي أو العزلة في مؤسسة للتشغيل أو الحجز في دار للتشغيل، أو تدابير مقيدة للحرية كمنع الإقامة، أو الخضوع لدورات تدريبية أو الخضوع للمعالجة الطبية أو النفسانية أو التأنيب والنصح أو لحرية المراقبة أو المراقبة الاجتماعية. إضافة إلى إنشاء مؤسسة «قاضي تنفيذ العقوبات» الذي يتفرّغ لشأن تنفيذ العقوبات السجنية والفرعية والبديلة التي تحكم بها المحاكم، بما فيها قرارات التوقيف الاحتياطي، ويسهر على خروج السجناء دون إبطاء عند الانتهاء من تنفيذ العقوبة؛ ووضع حد أقصى لسنوات السجن في عقوبات السجن المؤبد، وتعديل جرائم المخدرات للفصل بشكل دقيق بين جرمي الإتجار والترويج.
كذلك تقترح الخطة تعديل قانون الانتخابات لإيجاد إطار تنفيذي يتيح للموقوفين احتياطياً، والمحكومين غير الساقطين من حقوقهم المدنية، ممارسة حق الانتخاب في السجون. والإسراع في تطبيق قانون تنفيذ العقوبات (القانون 463/2002)، الذي من شأنه إخلاء عدد من السجناء (يقدّر بـ 20 أو 25% من السجناء المحكومين).
تجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان» قد سلك طريقه من لجنة الإدارة والعدل الى الهيئة العامة للمجلس النيابي لإقراره. وينصّ هذا القانون، الذي يشكل الإطار التنفيذي للخطة الوطنية لحقوق الإنسان، على إنشاء لجنة الوقاية من التعذيب، وآلياتها، المخوّلة زيارة السجون إنفاذاً لالتزامات لبنان بموجب البروتوكول الاختياري الأول لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وقد أصدرت اللجنة الدولية التابعة للجنة مناهضة التعذيب لدى الأمم المتحدة تقريراً هاماً عن واقع السجون اللبنانية بعد زيارة ميدانية وافقت عليها الحكومة اللبنانية صيف عام 2010، لكن هذا التقرير لا يزال سرياً.