لم تستطع إسرائيل تجاهل المواقف التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه أول من أمس. «القنبلة النووية» التي أسقطها على رؤوس القادة والجمهور الاسرائيليين، والتهديد باستهداف حاويات الأمونيا في خليج حيفا، كانت أكبر من السياسة الاعلامية المتبعة لدى تل أبيب، في الحد من التعامل مع خطاباته ومواقفه منذ حرب عام 2006؛ هذه السياسة الرامية تحديداً الى الحد من تأثيرات مواقفه السلبية على الرأي العام الإسرائيلي، ومنع تداعياتها.
وإسرائيل التي بإمكانها أن تتعايش وتحتوي المواقف والتهديدات التي تُطلَق في وجهها، إلا أنها تعجز عن مواجهة تهديدات نصرالله، ذات الوقع والتأثير الخاص في الوعي الاسرائيلي. السبب يعود، كما هو واضح ومعلن في تل أبيب، إلى الصدقية التي يتمتع بها، كنتيجة مجمعة لصراع امتد سنوات طويلة، خبر الاسرائيليون خلالها هذه الصدقية.
وفي التهديدات التي أطلقها نصرالله أخيراً، شقان كانا كافيين لإفشال المقاربة «التخفيفية» التي حاولت تل أبيب تفعيلها في وجه التهديدات، وعجزت عن تقليص منسوب الخشية والقلق لدى الاسرائيليين، ولدى سكان حيفا وجوارها تحديداً: الشق الأول يتعلق بوقائع تتمثل في وجود فعلي لحاويات الأمونيا الخطرة في حيفا، والتسليم بأن استهدافها سيؤدي الى مقتل عشرات الآلاف من حولها. والشق الثاني يتعلق بامتلاك حزب الله وسائل قتالية، قادرة بالفعل على استهداف الحاويات، وهو الأمر الذي يُجمع القادة الاسرائيليون عليه ويقرّون به. تبقى مسألة الارادة على تفعيل القدرة، وهي مسألة لا نقاش بشأنها في إسرائيل.
وضمن هذا الاطار، أثارت القناة الثانية العبرية، في برنامج خاص، مسألة «إسهام وسائل الاعلام الاسرائيلية في إيصال رسائل نصرالله الى كل بيت في إسرائيل»، فتعددت تعليقات الخبراء، إلا أنها أجمعت على عامل مركزي: «صدقية نصر الله وكاريزميته».
الإعلامي البارز في القناة الثانية، عوديد بن عامي، أكد أن «المشكلة التي تواجهها إسرائيل هي أن نصرالله أثبت في الماضي أنه صادق ولا يكذب، وهو دائماً يعمد الى الحديث عن مسائل وأمور تستند إلى حقائق»، و«نعم توجد حاويات أمونيا في حيفا، ونعم هي محاذية لأكثر من مليون شخص، وهي خطيرة جداً». وطلب بن عامي، الذي شغل في السابق منصب الناطق باسم الجيش الاسرائيلي، ضرورة الاستماع جيداً لردّ رئيس أركان الجيش، غادي إيزنكوت، على تهديدات نصرالله، وتأكيده أن «حزب الله طوّر قدرات صاروخية مهمة جداً».
أضاف بن عامي: «من جهتي أنا أصدق ما يصدر عن نصرالله، وهو قادر بالفعل على توجيه القنبلة النووية التي تحدث عنها، ويجب التعامل مع تهديداته بجدية مطلقة». وبحسب بن عامي، «صدرت عن نصرالله في الماضي مواقف وكلمات، وكان من المهم أن تصل هذه المواقف الى الاسرائيليين، ومهمتي كإعلامي أن أوصل ذلك إليه، خاصة أن ما يصدر عنه (نصرالله)، يتعلق بمسائل وأمور دقيقة».
إلى ذلك، لفتت صحيفة هآرتس، أمس، إلى أن كلمة الأمين العام لحزب الله وتهديداته باستهداف حاويات الأمونيا في حيفا، وجّهت لنظرية رئيس الأركان غادي إيزنكوت، و«نظرية الضاحية» التي يهدّد بها، مشيرة إلى أن «نصرالله يواصل ترسيخ ميزان الردع ضد إسرائيل، من خلال تهديداته».
وأشارت هآرتس إلى أن هناك من سيعرض في تموز المقبل، في الذكرى السنوية لحرب لبنان الثانية عام 2006، قصة الحرب وكأنها قصة نجاح بالاستناد الى الهدوء السائد على الجبهة الشمالية مع لبنان منذ عشر سنوات، إلا أن «هؤلاء سيتجاهلون نقطة مركزية، وهي أن ميزان الردع متبادل بين الجانبين؛ فإسرائيل أيضاً مردوعة نتيجة الأضرار التي يمكن أن تصيب جبهتها الداخلية جراء الـ100 ألف صاروخ التي يملكها حزب الله، وهذا معيار مركزي تمتنع إسرائيل بسببه عن جولة أخرى من الحرب مع لبنان».