كل من يعرف طريقاً توصله إلى مكان آمن، سلكها في محاولة للنجاة الفردية. تلك هي حال عدد كبير من الفنانين السوريين الذين سافروا خارج سوريا بعدما تحولوا هدفاً مباشراً للتشبيح والبلطجة من طرفي الصراع.
بعد مسلسل الخطف والترهيب، تحولت أرض سوريا إلى مقبرة للإعلاميين والفنانين الذين طاولهم الرصاص المنسكب بغزارة. قائمة طويلة من أهل الإعلام والفن دفعوا أرواحهم وتحوّلوا بلمح البرق إلى خبر عاجل تتلقفه المحطات الفضائية المتناحرة كل حسب سياسته، مع التجاهل الفاضح الذي قابلت به وسائل إعلام النظام استشهاد إعلاميين سوريين سقطوا برصاص الأمن أو الجيش...
الاختطاف على أيدي المعارضة المسلحة أو الاعتقال على أيدي قوات النظام هو الخطوة التمهيدية للفاجعة الكبرى ونعي هؤلاء كشهداء. هكذا، افتتح المشهد الدامي على صور عدد كبير من الإعلاميين الذين خطفت أرواحهم نيران المعارضة أو النظام.

والبداية كانت مع الفريق الفني لقناة «الإخبارية السورية» (سامي أبو أمين، زيد كحل، محمد شما) الذين قتلتهم قوات المعارضة بعد تفجير مبنى المحطة في الدروشة (محافظة ريف دمشق)، ثم لحقهم مذيع التلفزيون السوري محمد السعيد الذي تبنت «جبهة النصرة» عملية اختطافه وتصفيته. كذلك الحال بالنسبة إلى رئيس قسم الأخبار الداخلية في وكالة «سانا» علي العباس الذي قتل بعد اقتحام منزله في جديدة عرطوز قرب دمشق، ثم الصحافي ناجي أسعد الذي زفه الإعلام السوري، وخصوصاً جريدة «تشرين» شهيداً للوطن بعدما أردته الجماعات المسلحة قتيلاً في حي التضامن في العاصمة. بينما كان الصمت الفاضح هو العنوان العريض لجريدة «تشرين» التي تغاضت عن اغتيال أحد ألمع صحافييها، هو مصعب العودة الله، الذي قتله الجيش السوري في حي نهر عيشة في جنوب دمشق، فيما سقط المخرج السينمائي الشاب المعارض باسل شحادة بنيران القناصة في حمص، وهو المصير الذي واجهه المخرج المسرحي تامر العوام. واختار تلفزيون «أورينت» المتطرف في مواقفه المعارضة أن يعلّق على أبواب قاعاته أسماء الإعلاميين الذين استشهدوا وهم يؤدون واجبهم المهني، وفق ما قال، وهم إضافة إلى عودة الله وشحادة: براء البوشي، عمر جمعة اللطوف، عبد الحميد مطر، أنس الطرشة، محمد فياض العسكر، قاسم الديري... كذلك، فقد ذهبت الصحافية منى البكور ضحية تفجير في حلب، ورحل الصحافي الرياضي محمد عبد الرحمن في حي القابون الدمشقي إثر إصابته بطلق ناري. وقد لقيت مجموعة من الصحافيين والمصورين الأجانب حتفهم أثناء وجودهم في سوريا، ومنهم الصحافي الفرنسي جيل جاكييه، والصحافية الأميركية ماري كولفن، والمصوّر الفرنسي ريمي أوشليك...
على الكفة المقابلة، لم يسلم الفنانون السوريون من الهجوم الكاسح، بدءاً من موضة القوائم السوداء، وصولاً إلى التخوين والتهديد والوعيد بالحساب العسير. أما ضربات تحت الحزام، فقد أودت بحياة عدد من الممثلين، أولهم الممثل الشاب محمد رافع نجل الممثل أحمد رافع الذي قتل ومُثِّل بجثته قبل أن يرمى في بساتين برزة في دمشق على خلفية مواقفه الموالية للنظام. وقد نشرت «تنسيقيات الثورة» (راجع المقال أدناه) الخبر مع أدلة تؤكد حمله للسلاح المرخّص من المخابرات الجوية، وورقة بأسماء المتعاونين مع «الثورة». فيما كان للممثل الشاب طارق سلامة حكاية مغايرة لكن أشد قسوة؛ إذ أنهت الاشتباكات والقصف المستمر على مخيم اليرموك حياته مع ابنه الصغير أثناء محاولة خروجهما من المخيم، فيما تحول استشهاد نجم الكوميديا ياسين بقوش إلى فسحة جديدة لتبادل الاتهامات والمزيد من التحريض منذ ظهور شريط لمسلحين وهم يقولون إنّ «أبطال الجيش الحر تمكنوا من سحب جثته بعد قصف سيارته من قبل الجيش النظامي واحتراقها كاملة»، ثم عرضوا أوراقه الشخصية سليمة، بينما جثته غارقة في الدماء بعدما مُثّل بها. هكذا، شكل الرحيل الموجع للنجم الذي ميزته طيبته صدمةً كبيرةً لذاكرة الجمهور الذي تعرف إلى التفاصيل الشامية من خلال شراكته مع رفاقه وغوار وحسني البورظان وأبو عنتر وأعمالهم الخالدة في وجدان الجمهور العربي. بعد قرابة عامين على الجحيم السوري، يدفع الأبرياء، بمن فيهم الإعلاميون والفنانون، دماءهم قرباناً للصراع الدائر في عاصمة الياسمين، على أمل أن يتوقف يوماً ما ليتمكن الأحياء من تأبين موتاهم بهدوء!