سُرّب منذ أسبوعين تسجيل صوتي لعضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، موسى أبو مرزوق، هاجم فيه الجمهورية الاسلامية الايرانية. لم يكن الحمساويون متأكدون من الجهة التي سرّبت التسجيل، لكن المفاجأة كانت نشر جريدة «الشرق الاوسط» التي يملكها أبناء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز التسجيل للمرة الأولى.بعد يوم من التسريب، خصّصت قناة «العربية» يومين لنقاش الموضوع، واتصلت بأبو مرزوق للتعليق عليه. بعد ذلك نشرت جريدة «الحياة» التي يملكها الامير خالد بن سلطان مقالات اعتبرت «حماس» هي المسؤولة عن التسريب، وذلك بهدف التقرّب من المملكة.
متابعة المعنيين لطريقة تعاطي الإعلام السعودي مع الخبر، أكدت لهم شكوكاً في أن المخابرات السعودية هي المسؤولة عن نشره، وذلك بهدف منع التقارب بين «حماس» وإيران ولضرب العلاقة بينهما، خصوصاً أن توقيته جاء قبل أيام من وصول أبو مرزوق الى بيروت للقاء مسؤول إيراني.
ما كان شكوكاً تحوّل الى يقين، وذلك بعد ردّ الفعل السعودي الغاضب من زيارة وفد الفصائل الفلسطينية، من ضمنها حركتا «فتح» و«حماس»، لطهران للمشاركة في احتفالات انتصار الثورة الاسلامية. لم تستطع المملكة انتظار عودة الفصائل من طهران، حتى باشرت اتصالاتها بمسؤولي الحركتين للتعبير عن غضبها واستيائها، متوعّدة بردّ فعل قاس.
يتوقع أن تمنع السعودية أنصار «حماس» من جمع التبرعات في المملكة

اتصلت شخصيات سياسية سعودية برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. عبّر هؤلاء عن غضبهم من مشاركة عضو اللجنة المركزية لـ"فتح" والمفوّض العام للعلاقات العربية عباس زكي في احتفالات طهران، و"خروجه عن الإجماع العربي". حاول «أبو مازن» الرد على العتب السعودي والتبرير قائلاً إن "زكي زار طهران بمبادرة فردية منه، لأنه المسؤول عن العلاقة مع الجمهورية الاسلامية".
لم تنحصر الاتصالات السعوديّة بقيادات "فتح". تواصل أحد المسؤولين في الحكم في الرياض بقيادة "حماس"، للتعبير عن غضب المملكة من زيارة الحركة لطهران. ردّت قيادة الحركة الإسلامية بأن علاقتها مع السعودية لا تعني بالضرورة قطعها مع إيران، وأن زيارتها للجمهورية الاسلامية لا تجبرها على تبنّي مواقف طهران تجاه الرياض.
بالنسبة إلى قيادات الفصائل، لم يكن معروفاً لديهم كيف ستترجم الرياض غضبها تجاههم، ولكن إيقاف «مملكة الخير» لهبة الثلاثة مليارات دولار التي قدمتها لتسليح الجيش اللبناني، أظهرت طبيعة الرد، خصوصاً أن السعودية تعتبر من الدول المانحة التي تساهم بجزء كبير من ميزانية السلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا». لذلك، يتوقع أن تمنع السعودية أنصار "حماس" من جمع التبرعات في المملكة والتضييق عليهم، كما فعلت مسبقاً مع عنصرين من الحركة. أما بالنسبة إلى «أبو مازن»، فقد أبدى الرجل قلقه من توقف تمويل السعودية للسلطة.
في طهران، سمع الوفد الحمساوي عتاباً من القيادات الايرانية بسبب ما قاله أبو مرزوق في تسجيله المسرب. والعتب الايراني، كما وصفه مطّلعون على الزيارة، كان "على قدر المحبة وهادئاً". حاول الوفد الحمساوي توضيح ما جرى، ووضع ما قاله أبو مرزوق في خانة أن "شخصاً ديبلوماسياً مثله كان في لحظة غضب"، وأن "موقف المكتب السياسي واضح وجليّ بضرورة المحافظة على العلاقة مع طهران التي بدأت منذ 25 عاماً". بعد تسريب التسجيل، جرت نقاشات داخل الحركة كانت خلاصتها التشديد على المحافظة على "العلاقة الاستراتيجية" مع إيران، و"عدم قطعها بسبب أحداث آنية، وبسبب وجود اختلاف في وجهات النظر".
وبحسب مصادر واكبت الزيارة، فإن الوفد الحمساوي قال إن "المنطقة تمر في لحظة جنون وتوتر، وذلك انعكس في بعض التصريحات التي خرجت من بعض قيادات الطرفين". الإيرانيون، من جهتهم، تفهّموا "وجهة نظر حماس، آخذين في الاعتبار أن الهدف الرئيس من التسريب منع التقارب بين المقاومة الفلسطينية وإيران، بإضافة الى السعي لإفشال الاجتماع بين أبو مرزوق والمسؤولين الإيرانيين في بيروت".
ويبدو أن الإصرار السعودي على ضرب العلاقة بين «حماس» وطهران، زاد من إصرار الطرفين على إفشال مخطط المملكة وتخطّي الإشكال الذي وقع. بالطبع، غيّر التسجيل برنامج الزيارة التي كان معدّاً لها مسبقاً. كان من المفترض أن يحضّر الوفد الحمساوي لزيارة قيادات الحركة لطهران، ولكن بعد التسريب تغيّرت الاولويات وأصبح تطويق ما وقع الهمّ الاساس.
في إيران، مكث الوفد الحمساوي ثمانية أيام. لم تكن كل اجتماعاته معلنة. عُقدت لقاءات مع مسؤولين إيرانيين شملت قيادات من الحرس الثوري، تباحث في خلالها الطرفان في "كيفية تطوير ودعم الانتفاضة والمقاومة وتسليحهما". خلال أحد هذه اللقاءات، سمع الوفد الحمساوي تعليقاً على ما جاء في كلام أبو مرزوق، خصوصاً بما يعنيهم مباشرة، وهو إرسال السلاح الى غزة. شرح الإيرانيون أنه في مقابل بضع سفن أسلحة ألقي القبض عليها، كما قال أبو مرزوق، استطاع «فيلق القدس» إيصال أضعاف هذا العدد الى وجهتها النهائية. تفهّم مسؤولو «حماس» العتب، فهم يعرفون المتاعب التي يواجهها ناقلو الاسلحة الى غزة. قالوا لقيادات «الحرس» إن ما قيل كان في «لحظة غضب».
تقول مصادر متابعة للزيارة إن "اللقاء مع الحرس كان مفيداً لعمل المقاومة، وستُعقد في المقبل من الايام اجتماعات بين المختصين من الطرفين لبحث ما تحتاج إليه المقاومة في الضفة المحتلة وغزة من تجهيزات وأسلحة جديدة لمواجهة العدو ولتطوير العمل المقاوم في الضفة".
بالنسبة إلى الإيرانيين، فإن "المساهمة في الانتفاضة كانت من الاولويات لديهم". رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني كشف، خلال لقائه الوفد الفلسطيني، أن طهران ستموّل عملية إعادة إعمار المنازل التي هُدمت خلال الانتفاضة، إضافة الى مساعدة أهالي الشهداء. "هذا الأمر أزاح هماً كبيراً عن ظهر الفصائل التي لا تملك المال الكافي لمساعدة هؤلاء، ومما أمّن سيولة مالية للجناح السياسي لحماس"، على ما أوضحت المصادر نفسها.
قبل ثلاثة أيام، أنهى الوفد الحمساوي زيارته لطهران. ما كادت قيادات الحركة تعود إلى منازلها حتى هاجم بعض أنصارها ومن يدورون في فلكها زوار طهران، معتبرين أنهم "يلتقون مع من يساهم في قتل الشعب السوري". لم تعقب "حماس" على هذه التعليقات، ولم يصدر عنها ما يفيد الانزعاج. فبالنسبة إليها، "بقاء العلاقة مع طهران، وحلّ تداعيات ما ورد في المكالمة المسرّبة بأقل ضرر ممكن، أهم من مثل هذه الآراء".