الانحطاط اللبناني «يحاكم» عصام محفوظ

من الاعلام التحريضي إلى الأبونا ـ المطاوع… أوقفوا هذه الدعوشة!

  • 0
  • ض
  • ض

«المركز الكاثوليكي للإعلام يستنكر التعرض للديانة المسيحية في إحدى المسرحيات»… يا لهوي! ماذا حصل ونحن غافلون؟ تقرأ الخبر فتستعيذ بالله! من هو الكافر الزنديق الذي تعرض للدين؟ لا شك في أنّه مدسوس من قبل جهات غامضة، وأعداء خطيرين: «ماسونية - شيطانيّة»، يسار دولي، إلخ. لاحظوا كم أنّ العنوان بحد ذاته تهويلي، وأجوف، ومضلل، وتعميمي. «التعرّض للديانة» فعل خطير، مشروع مؤامرة، عمل متعمّد ومدروس ومنهجي، وهو أثقل من أن يحتمله نص من كلاسيكيّات المسرح اللبناني الحديث، يحمل توقيع الراحل عصام محفوظ (1939 ـــ 2006)، أخرجته ـــ قبل أسابيع طويلة ـــ فنّانة مقتدرة هي لينا خوري! من يعرف نصوص الكاتب، وتجربة المخرجة، لا يمكنه أن يتوقّع ـــ حتّى إن لم يشاهد المسرحيّة - أننا أمام ثنائي هدّام من مخططاته ضرب ديانة معيّنة. المشكلة أن الطفيلي الذي صوّر مشهداً وعزله عن سياقه، وسرّبه لموقع فضائحي يلوّث الاعلام والديمقراطيّة، لم يفقه شيئاً من المسرحيّة. وهمّه الوحيد اثارة النعرات والفضائح. المشكلة أن «التي» كتبت مطوّلة تحريضيّة حرّفت فيها الوقائع وشوّهتها، لم تشاهد المسرحيّة غالباً، وأخر همّها المسرح، وآخر همّها الدين. ما يبحث عنه صائدو الجيف هو تحريك الاهواء والغرائز، وتهييج الرأي العام، وتحقيق الاقبال. المشكلة أن المواقع الاعلاميّة التي تناقلت الخبر، لا تعرف شيئاً عن المسرحيّة، ومع ذلك لم تدقق، ولم تتحفّظ، ولم تختر عباراتها. المشكلة أن رجل الدين الذي يحنّ إلى «محاكم التفتيش»، ويرى خطراً على الدين في كل مكان، هو أيضاً لم يشاهد المسرحيّة، ولا يعرف شيئاً لا عن عصام محفوظ، ولا عن سرحان بشارة سرحان أو أنطون سعادة أو فرج الله الحلو. المشكلة أن جهاز الرقابة، بسبب عبثيّة النظام اللبناني وهشاشته وبنيته العقيمة، يتحوّل إلى خادم مأمور لدى الطوائف، التي عليه أن يراعيها ويرضيها جميعاً! ماذا عن المسرح في كل ذلك؟ ماذا عن الابداع؟ بيروت التي تفقد روحها يوماً بعد آخر، تعيش على الاشتباه بالآخر، والخوف من الاختلاف والنقد والسخرية. وتمنع المسرح بإسم… «الدين»! أي دين يا أولاد الحلال؟ المسرحيّة موضوع الضجّة الفارغة، هي «لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71» التي قدّمها عصام محفوظ في بيروت مطلع السبعينيات، متأثّراً ببيتر فايس والمسرح التوثيقي. لكن المسرح الذي كانت تحتفل به بيروت السبعينيات صار تعرّضاً للدين في زمن داعش وأخواتها. المشهد الاحتفالي الهاذي الذي يمثّل جنازة شهيد في المسرحيّة، أمام المذبح، ليس موضوعه الدين أساساً. لكن الأب عبدو أبو كسم الذي يهوى النقد الفنّي في أوقات فراغه، لا يحسن التفريق بين «الخيال» والواقع، ولا يترك فرصة إلا ويمارس فيها رياضته المفضّلة: أي التهويل الاعلامي. قبل أسبوعين كشف مؤامرة شيطانيّة في مسبحة معروضة في واجهة محل حلاقة، بتحريض من Otv للأسف. واليوم يعلنها حرباً على مسرحيّة لا يعرف عنها شيئاً. ماذا حلّ بالناس يا هو؟ إنّه عارض معروف لدى الاقليات المذعورة والمضطهدة والمقهورة التي تروح تمسخ مضطهدها حتى تشبهه بالكامل. إنّها الدعوشة يا أصدقاء. علينا أن نوقف هذه اللعبة القاتلة، وإلا لن يعود عندنا فكر ولا فن ولا حضارة. ليت الأبونا يروّقها قليلاً، ويخلع عنه عباءة المطاوع التي لا تشبه تقاليده الأصيلة. ليته يكون على مستوى التراث النهضوي والعقلاني والتنويري المسيحي في الشرق. ليته يقرأ مارون عبّود كي يهدّئ أعصابه، ويترك التكفير والتخوين للجراد الأسود. إن الإيمان أقوى من كل شيء. إن أهل النهضة والفكر والفنّ يتسع صدرهم وعقلهم لكل أشكال التعبير. ننتظر بفارغ الصبر أن تعيد لينا خوري تقديم «لماذا؟» خارج حرم الجامعة، بمباركة الأمن العام، كي نتلقّف، في عاصمة النهضة والتنوير، هذه التجربة النوعيّة، ونحتفل بالاستمراريّة والتكامل بين أجيال المسرح اللبناني.

0 تعليق

التعليقات