القاهرة | للوهلة الأولى، يبدو مدعاة للتفاؤل أن تتقدم مصر 8 مراكز في ترتيب تقرير «حرية الصحافة» الذي أصدرته منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2013. لكن التفاؤل الطفيف يتراجع عند النظر إلى الترتيب الذي احتلته مصر حتى بعد تقدمها، إذ جاءت في المركز 158 بفارق 21 مركزاً فقط عن الترتيب الأخير (179) الذي تحتله أريتريا. وضع محبط لبلد مرّ عامان على ربيعها الثوري، ويُفترض أنّها تحت «حكم ديمقراطي» و«رئيس مدني منتخب».
وبالنظر حتى إلى موقعها من تونس، شقيقتها الثورية الصغرى، والأقرب شبهاً بالأوضاع المصرية، فقد تراجعت تونس أربعة مراكز عن العام الماضي، إلا أنّه حتى بعد تراجعها جاءت في المركز 138، متقدمة 20 مركزاً عن مصر ذات الحجم الصحافي الكبير والعريق. نظرة فاحصة إلى تقرير «مراسلون بلا حدود»، والأسباب التي يسردها لتقدم وتأخر ترتيب الدول المختلفة، تكشف بوضوح أنّ التقدم المصري أو التأخر التونسي نجما عن حراك في مراكز الدول الأخرى، بأكثر مما نتج عن تغيّر جوهري في أوضاع الصحافة في البلدين العربيين اللذين يصفهما التقرير صراحة بأنهما احتلتا مرتبتين «غير مشرفتين» بسبب «ما حصل فيهما من فراغ قانوني، وتعيينات على رأس المؤسسات الرسمية، واعتدءات جسدية، ومحاكمات متكررة». ليست مصادفة إذن أن يترافق تقرير «مراسلون بلا حدود» مع النداء الذي وقعه صحافيون مصريون في مناسبة «يوم حرية الصحافة العالمي» ووجهوه إلى «الجهات المعنية والتشريعية والتنفيذية والقضائية المنوطة بـ «حماية الصحافيين ومنع استهدافهم أثناء ممارسة عملهم». النداء المعنون بـ «خطاب مفتوح»، يمكن استخدامه كدليل إرشادي إلى أساليب قمع الصحافة، فهو يندد بـ «مسلسل استهداف الصحافيين والإعلاميين المصريين» الذي يتراوح «الإعتداءات البدنية واللفظية، تحطيم الأدوات والمعدات التي يستخدمها الصحافيون، القبض والاحتجاز غير القانوني، والملاحقات القضائية».
يلخص النداء/ الخطاب، مطالب الصحافيين المصريين في اللحظة الآنية في «تحريك الدعاوى الجنائية في جميع البلاغات التي تقدم بها الصحافيون للنائب العام في وقائع الإعتداء عليهم، تغليظ العقوبات الخاصة بالإعتداء على الصحافيين أثناء ممارسة عملهم، إحترام الحكومة المصرية للمعايير الدولية الواردة في مواثيق حقوق الإنسان المختلفة في ما يتعلق بحماية الصحافيين، وضمان تطبيق هذه المعايير بتضمينها في القوانين المصرية ذات الصلة وتوعية الأجهزة المعنية بأهمية احترام حرية الصحافة وتعزيزها، تنقيح القوانين المصرية من الإتهامات المطاطة التي تنال من حرية الصحافة، خاصة جرائم الإهانة والسب والقذف ونشر الأخبار الكاذبة، إصدار قانون حرية تداول المعلومات لتمكين الصحافيين من الحصول على المعلومات التي بحوزة أشخاص القانون العام بسهولة ويسر».
تبدو المطالب محددة لكن تحقيقها يبدو أبعد كل يوم. مشروع قانون حرية تداول المعلومات، ما زال يراوح مكانه منذ عامين، لم يختلف الأمر بين «حكم العسكر» أو «حكم مرسي»، ما زالت البيروقراطية المصرية تضع العوائق أمام وصول المواطن، خصوصاً الصحافي، إلى بياناتها، علماً بأن عدم إصدار قانون المعلومات أحد أسباب تعثر القروض والمنح الدولية، إذ لا تريد الدول والمؤسسات المانحة أن تتسرب «معوناتها» وقروضها إلى أياد لا تعلمها كما كانت عليه الحال في العهد السابق. لكنّ تلك «الشفافية» التي يطلبها الصحافيون والدول المانحة تبدو منالاً أصعب في ظل حكم جماعة ما زالت سرية حتى الآن، لا يعرف غير مرشدها حقيقة أموالها ومصادر دخلها وحتى أرقام عضويتها، حكم عُرفيّ كحكم مرشد الإخوان يصعب أن تكون الشفافية عنوانه.
لا يختلف الأمر كثيراً مع مطالبة الصحافيين للنائب العام بالتحقيق في الاعتداءات عليهم أبرزها مقتل الحسيني أبوضيف، الصحافي في جريدة «الفجر» برصاصة في الرأس في كانون الاول (ديسمبر) الماضي أُثناء تغطيته «اشتباكات قصر الاتحادية» عشية الإعلان الدستوري. لم يصل التحقيق في اغتياله إلى نتيجة، ولا يعوّل زملاؤه على الوصول إلى نتيجة في ظل أزمة النائب العام الذي عينه الرئيس مرسي ضمن تداعيات الإعلان الدستوري نفسه. النائب العام الذي نقض القضاء تعيينه أخيراً، ما زال في مكتبه، وقد أمر بالتحقيق في اعتداء آخر قام به أنصار جماعة الإخوان ضد صحافيين كانوا يغطون «اشتباكات المقطم» قبل شهرين. وألقت الشرطة القبض على أحد حراس خيرت الشاطر ـ الرجل القوي في الجماعة ـ بتهمة الاعتداء على صحافيين ونشطاء في أحداث المقطم. لكن تماماً كقضية أبو ضيف، لا يُنتظر أن تتخذ الإجراءات مساراً جدياً وصولاً إلى العقوبات.
بشكل عام، تشبه أوضاع الصحافة المصرية أحوال مصر نفسها تحت حكم مرسي: مشاكل جديدة تولد م دون حل القديمة، فالاعتداءات المتزايدة على الصحافيين وملاحقة حتى الساخرين منهم كباسم يوسف، لم يوازها أي جهد في مسار تحقيق مطالب الصحافيين الأساسية على رأسها التشريع، وما زال «الحبس في قضايا النشر» سيفا مصلتاً على الجميع بموجب قانون العقوبات. وليس من المنتظر أن يُعالج ذلك في ظل دستور جديد، افتخر واضعوه بأنه «يضم قيوداً غير مسبوقة في أي دستور مصري» حسب تصريح شهير للقيادي السلفي ياسر برهامي، أحد أعضاء لجنة وضع الدستور.