الجزائر | مطلع السنة الجارية، حققت الجزائر رقماً قياسياً بإحصائها 127 صحيفة يومية (74 عربية، و56 فرنسية)، لتعزز موقعها الريادي في منطقة المغرب العربي من حيث عدد الإصدارات اليومية. لكنّ هذا لا يعكس بالضرورة حالة «انفتاح» واحترام لحرية التعبير، بقدر ما يكشف رغبة السلطة المتجددة في تمييع المشهد الإعلامي الذي لم يفلت يوماً من قبضة الرقيب، وسياسة التضييق التي مسّت هذه المرّة مدونين وناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي.
حملة التضييق على المدونين انطلقت الصيف الماضي مع محاكمة الشاب طارق معمري بعد نشره فيديو، على اليوتيوب عبّر فيه عن رفضه المشاركة في الانتخابات التشريعية الماضية. وتلته قضية أخرى حركت الرأي العام المحلي والدولي تتعلق بتوقيف المدون والناشط ياسين زايد وإدانته بستة أشهر سجناً، ثم إخلاء سبيله. وجاءت الحملة العسكرية الفرنسية على مالي التي تحمّلت الجزائر انعكاساتها لتجزم بأنّ النظام الرسمي يحتكر القطاع لنفسه، وهو المخول التعبير عن وضع البلد وفق رؤية أحادية لا تقبل الآخر. في المقابل، لا يفوت النظام فرصة من دون محاولة التلاعب وإلهاء الرأي العام بإثارة القضايا الهامشية على حساب القضايا الأهم التي تمس حياة الموطن البسيط. في الشهر الماضي، تجددت المعارك الكلامية بين بعض الصحف الجزائرية ونظيراتها المغربية، وتبادل الاتهامات المجانية، بإيعاز من سلطتي البلدين، في وقت كانت الجزائر فيه تتخبّط في فضائح الفساد المالي. ثم فوجئ الجزائريون بمرض رئيس الجمهورية الحالي عبد العزيز بوتفليقة أخيراً ونقله للعلاج في باريس، من دون تقديم أي معلومات كافية للإعلام، وعدم المبالاة الرسمية بحالة الارتباك التي سادت البلاد ثلاثة أيام كاملة. وها هي الجزائر الآن تحتفل بيوم حرية الصحافة (تحتل المرتبة 125 في تصنيف منظمة «مراسلون بلا حدود» من مجموع 179 بلداً)، على وقع مشادات كلامية بين صحف وصحافيين، واتهامات متبادلة بالفساد والعمالة والتعاون مع مصالح المخابرات الأجنبية، كما حصل أخيراً بين سعد بوعقبة (الخبر) وهشام عبود (جريدتي).
على صعيد قطاع السمعي البصري الذي انتظره الجزائريون طويلاً لكسر هيمنة التلفزيون الرسمي، ما زال الجمود سيد المشهد، وخصوصاً بعد وصول وزير الإعلام الجديد محمد السعيد (إسلامي ومعارض سابق للنظام). تعرّض الوزير لانتقادات شديدة من المهنيين بسبب تباطؤه في إقرار القانون المنظم للقطاع السمعي البصري. يقول رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الخبر» زهر الدين سماتي لـ«الأخبار»: «كل معطياتنا تدل على أنّ الحكومة تماطل عمداً في إصدار هذا القانون كأننا في صدد إنشاء مفاعلات نووية لا قنوات تلفزيونية!». بعدما حصلت ثلاث قنوات تلفزيونية على اعتمادات (فبراير الماضي)، ما زال الغموض يسود الوضع بسبب افتقاد البلد إلى قانون منظم، ما دفع بعض رجال الأعمال المعروفين إلى تأجيل إطلاق مشاريع قنوات خاصة، لغاية اتضاح الرؤية وإفصاح السلطة عن توجهها، وخصوصاً أنّ البلد مقبل على بعض التحولات الجوهرية بسبب انتهاء الولاية الرئاسية الثالثة لبوتفليقة (أبريل 2014)، وتضارب الأنباء عن إمكان مواصلته ولاية رابعة، أو استبعاده بسبب وضعه الصحي، ما يعني تجميداً موقتاً للخطة الإعلامية المتبعة منذ سنوات.
ورغم عدم تسجيل حالات سجن لصحافيين، وإغلاق للجرائد، فإنّ الوضع العام لا يبعث على ارتياح كامل، فالحرب النفسية الداخلية بين الدولة والإعلام ما زالت مستمرة.