لا أحد يكترث لمعاناة الشعب الفلسطيني ومأساته التي تتناقلها الأجيال لأكثر من 65 عاماً، بل عملت بعض الدول الغربية والعربية على استغلال هذه المعاناة واستثمارها لتحقيق العديد من المكاسب السياسية. فصول جديدة من النكبة الفلسطينية المستمرة عاشها، خلال العامين الماضيين، اللاجئون الفلسطينيون في مخيماتهم الموزعة على عموم أراضي سوريا. الحكاية بدأت في 15 أيار عام 2011. في ذلك اليوم، تسابق آلاف الشباب الفلسطيني من سكان مخيمات الشتات للوصول إلى حدود الجولان السوري المحتل، بعدما سمحت لهم أجهزة الأمن السورية بالوصول إلى أقرب نقطة تفصلهم عن بلادهم فلسطين، لإحياء ذكرى نكبة بلادهم.
كانت نتيجة الزحف الفلسطيني على الجولان سقوط ستة شهداء. أعاد أبناء المخيمات الزحف إلى حدود الجولان مرة أخرى في الخامس من حزيران من العام نفسه، إحياءً منهم لذكرى النكسة، فكانت الحصيلة هذه المرة 26 شهيداً. لم يفلح التزام الحياد الإيجابي، ولا سياسة النأي بالنفس التي حاولت فصائل المقاومة الفلسطينية تطبيقها في المخيمات. فقد برزت حالة احتقان شعبية متصاعدة، عاشها مجمل الفلسطينيين بعدما نالهم نصيب كبير من القتل والاعتقال والدمار في الممتلكات والبيوت، بلغت ذروتها مع سقوط مخيم اليرموك قبل أشهر، بيد الجيش الحر والكتائب المعارضة المسلحة.
حالة نزوح جماعية شهدتها عاصمة اللجوء الفلسطيني في العالم، باتجاه مناطق مجاورة هادئة نسبياً، مثل مخيم خان الشيح. لكن سرعان ما دخل خان الشيح دائرة النار والصراع، ليشهد أعمال عنف ودمار ومواجهات مسلحة، تجاوزت الأحداث التي شهدها مخيم اليرموك بمرات عدة، كما يؤكد لنا الناشط الفلسطيني محمد أبو اللبن (29 عاماً).
سبق للناشط الفلسطيني المشاركة في مسيرة العودة قبل عامين، وكان من الواصلين إلى أرض الجولان المحتل. يحكي لنا وهو يقلب في مجموعة الصور التي التقطها هناك عن حالة اليأس والحزن التي تتملكه اليوم في ذكرى النكبة «عندما خرجنا زاحفين إلى الجولان قبل عامين، كنا مستعدين للموت جميعاً برصاص جنود العدو الإسرائيلي. احتفلنا برفاقنا الشهداء، وكنت أتمنى وأحلم أن أكون واحداً منهم، لكننا اليوم خسرنا آلاف اللاجئين الفلسطينيين في معركة مجانية لا تخدم سوى مصالح الكيان الصهيوني، بغض النظر عن طبيعة الأطراف المتصارعة على الأرض السورية وانتماءاتها وأهدافها».
لا يختلف خطاب الناشط الميداني في مخيم خان الشيح ملهم فهد (26 عاماً) كثيراً عن كلمات رفيقه «نحن نموت بصمت مطبق، دون أن يكترث لنا أحد. حالة من التعتيم الإعلامي المقصودة والمتعمدة، تحاول بعض الجهات فرضها على مخيم خان الشيح».
يسخر فهد من جملة البيانات التي أطلقتها بعض التنظيمات وفصائل المقاومة الفلسطينية ونشطاء على موقع التواصل الاجتماعي قبل أيام، والتي دعت فيها إلى خروج مماثل إلى حدود الجولان لإحياء ذكرى النكبة: «أعتقد أن دعوة لمساندة المشترك الفلسطيني محمد عساف ودعمه في البرنامج الغنائي عرب آيدول، ستحظى باهتمام ومتابعة أكبر بكثير من ذكرى النكبة الفلسطينية، أو من حملات التضامن ومساعدة مخيماتنا التي تقصف اليوم على مدار الساعة منذ أشهر عدة. الأفضل هو متابعة مسلسل التغريبة الفلسطينية بنسخته الحية والمباشرة في مخيماتنا الفلسطينية».
نسأله عن أخبار رفاقه من شباب المخيم، الذين خرجوا لتحدي الرصاص الإسرائيلي على حدود الجولان قبل عامين، يخبرنا أن الكثير منهم قتلوا في القصف المدفعي على المخيم، أولهم كان الشاب أحمد مطر «لا أزال أحتفظ بصور لأحمد مطر، وهو يرفع علم فلسطين على أرض الجولان السوري المحتل خلف الأسلاك الشائكة والابتسامة على وجهه». البعض الآخر معتقل في أقبية تعذيب النظام السوري مثل رامي عزيزة (28 عاماً)، الذي سبق له أن أصيب في مسيرة العودة، بطلق ناري.
نشأت الخالدي (29 عاماً) أحد المنظمين والمنسقين الرئيسيين لمسيرة العودة قبل عامين، قُصِف متجره لبيع الهواتف المحمولة في سوق مخيم خان الشيح قبل أيام، يخبرنا عن استطلاع الرأي الذي أجراه مع رفاقه على صفحات موقع «الفايسبوك»، حول الخروج مجدداً إلى حدود الجولان، على الرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها مجمل المخيمات الفلسطينية «لم تتعدّ نسبة الموافقة على الخروج نحو حدود الجولان السوري المحتل الواحد في المئة. هل هناك مبرر للاحتفال بيوم النكبة ونحن نعيش نكبة جديدة مستمرة على مدار الساعة؟».