يوم وطأت رجلا سمير جعجع القصر الجمهوري، قبيل اتفاق الطائف، كان النقاش يدور حول فكرة «الفاصلة» التي نادى بها النائب ميشال عون لتحرير القرار الوطني من الوصايات الخارجية. وقف جعجع آنذاك في باحة القصر صارخا: «وهل تسألون القوات عن موقفها؟»، في اشارة الى رفضه التام للطائف. لم تمر أيام حتى كان جعجع يتصدر صفوف الموقعين على الاتفاق.
رغم مرور نحو عقدين على تلك الحادثة، الا أن ما قام به حزب القوات أول من أمس ذكّر النواب العونيين بتلك اللحظة «عندما اعتقد المسيحيون أن قياداتهم على وشك الاتفاق، حتى جاءهم من ينكث بوعوده». في تلك الأيام، كان النائب زياد أسود وزملاؤه متفرجين لا سبيل لهم الا الرضوخ للأمر الواقع، ولكن يصدف أنهم، اليوم، في دائرة القرار عندما أعاد جعجع رسم السيناريو نفسه. لذلك، «لن نسكت، أقله اليوم، عندما صرنا في موقع نستطيع التغيير فيه» يقول أسود. لطالما كان نائب جزين يطالب في اجتماعات تكتل التغيير والاصلاح بالتريّث في «اعطاء الثقة لزعيم معراب». وقف أول من أمس في المجلس النيابي يتصبّب عرقاً «للخيانة التي حصلت على غفلة»، مؤمناً «بردة فعل جامعة تسقط الاتفاق الثلاثي» بين جعجع والنائب وليد جنبلاط ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري. لا ينكر أسود «فرحته» برؤية تياره محاصراً مجدداً جرّاء مطالبته بالمساواة والمناصفة: «ينبغي على الجميع أن يتذكر أن لا سبيل الا في النضال لاسترداد حقوقنا. رجع التيار لأصلو».
يفنّد أسود قانون 14 آذار المختلط بنداً بنداً ليصل الى دائرته، جزين. ما الحكمة من وضع نائبين مسيحيين على القاعدة النسبية ونائب على الأكثري؟ لا يجد جواباً مقنعاً الا «وضع المقاعد مجدداً تحت رحمة رئيس مجلس النواب نبيه بري، في وقت يبحث التيار عن كيفية تحريرها»، ما يعني «تنازل المسيحيين، عند احتساب الدوائر المماثلة، عن أكثر من 10 نواب»، وطبعا «لا يملك جعجع الحق هنا في اتخاذ القرار عن الجميع».
استفاق العونيون صباح أمس على جرعات دعم من رئيس تكتل التغيير والاصلاح في الرابية. بدا منزل عون أشبه بخلية أزمة منعقدة. «الجنرال» يتحدث ويشرح ويقيّم الاجتماعات، والجميع يناقش للخروج بثوابت قبيل بدء اجتماع لجنة التواصل. ختام الجلسة الصباحية، تأهّب النواب للتوجه الى ساحة النجمة نافضين عنهم احباط الجلسة العامة: «كلنا جنرال»، يقول أحدهم. كان من الممكن سماع النائب ابراهيم كنعان متحدثاً بين زملائه عن «الاصرار على المساواة والمناصفة الفعلية» ورفض ابداء الرأي «بفرضيات الأمر الواقع». بالنسبة إلى كنعان، لم يمت الأرثوذكسي بعد أو فكرة «استعادة حقوقنا الانتخابية». بناءً عليه «المعركة مستمرة، انما لا طروحات لدينا. ليبحث من أسقط التوافق عن البديل!». فليتحمّل رئيس حزب القوات المسؤولية اذاً، لأن السيناريوهات المفترضة لا تتعدّى «التمديد أو العودة الى الستين وكلاهما شيء في نظرنا». سريعاً، يوافق النائب سيمون أبي رميا على كلام سابقه: «الحق على القوات... والقوات فقط». ما يحزّ في نفس أبي رميا ليس إسقاط «الأرثوذكسي» بقدر ما هو اسقاط «الـ64 نائبا مسيحيا من جعبة المسيحيين». وكل الحلول المطروحة حاليا لا تحصد النتيجة نفسها التي كانت قد أصبحت في الجيبة، «قبل أن يطيح جعجع تلك الامتيازات». لا يمكن للباحث عن النائب آلان عون أن يجده في مكان معيّن. يتنقل من جهة الى أخرى «تماما كأم العروس»، يقول زملاؤه ضاحكين. من الرابية الى المجلس النيابي، فالرابية والمجلس النيابي مجددا وصولا الى مكاتب نواب التكتل والأحزاب الأخرى. لا جديد يضيفه عون إلى كلام «الرفاق»، فالأخيرون «قاموا بالواجب وزيادة». الأولوية لليوم، وفقا لعون، للوصول الى حلّ قبل الجلسة العامة الثانية، لأن «التمديد يلوح في الأفق». لذلك، لا وقت لإضاعته. ينده لزملائه داعيا اياهم «لعدم تضييع الوقت»، فقد حان موعد الجلسة المسائية. سؤال أخير: ما رأيكم بالتمديد؟ يردّ ضاحكا: «وهل تسألين التيار الوطني عن موقفه؟».
لا يمكن مقارنة وجوه نواب تكتل التغيير الشاحبة منذ يومين، بحالتهم يوم أمس. بدا وكأن «وحياً» أُنزل عليهم لاعادة لمّ شملهم ورفع «احباطهم» السابق. وبالفعل أتى الوحي من جنرال الرابية ليصلح ما أفسدته معراب. حتى القاعدة العونية بدت مرتاحة لما يقوم به النواب. ليس العام 2013 كالعام 1989 في قاموس أسود وكنعان وأبي رميا وعون الذين تابعوا أحداث هذه الفترة من على شاشاتهم الصغيرة. اليوم، وهم «في دائرة القرار»، أكثر اصراراً من أي وقت مضى على عدم تكبيد من يشاهدونهم الأضرار ذاتها.