«أنا قواتي. سجّل أنا قواتي أعارض تنصل سمير جعجع من مشروع اللقاء الارثوذكسي. خسرنا فرصة التمثيل السياسي الصحيح، والنتيجة؟ خسارة القوات اللبنانية في الانتخابات النيابية لصالح التسونامي البرتقالي والكتائب، التي بالتأكيد ستلحق بميشال عون. أرجوكم أوصلوا الرسالة الى جعجع». هذه العبارة كتبها قواتي على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك». لم يكن وحده. أنفس العديد من القواتيين «حزينة حتى الموت».
جزء كبير من جمهور القوات اللبنانية لم يعبر يوما الى المناطق التي كانت تسمى «الغربية»، أو على الاقل في ذهنه. يعيش هاجس القضية والحفاظ على الوجود المسيحي. قيادات هذه الميليشيا التي تحولت الى حزب سياسي مع خروج قائدها من السجن في 2005، ما انفكت تستخدم أسطوانة الترهيب من «الآخر»، أياً كان هذا الآخر، بغية تجييش مجتمعها وتدعيم زعامتها. حاربت «الفلسطيني» من أجل الوجود. تواجهت مع «الدرزي» في الجبل من أجل الوجود. وها هي اليوم تقبل بقانون يدعّم زعامة وليد جنبلاط. أُدخل جعجع الى السجن في عهد الرئيس رفيق الحريري، وها هي اليوم تتنازل عن الوفاق المسيحي من أجل ألّا يحرد سعد الدين الحريري. فلتعاد التيار الوطني الحر، ما همّ؟ عدم الوفاق بين الاثنين يعود الى زمن قديم. فلتضيق على الكتائب، ما الجديد؟ لم تكنّ «الابنة البارة» يوما الود للحزب الذي ولدت من رحمه، والتي تأسست لتكون جناحه العسكري في الحرب وتُحلّ مع وصول مؤسسها بشير الجميل الى الرئاسة. ولكن هل تحمل القوات اليوم وزر أن يقف في وجهها جزء من جمهورها؟
على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أطلق القواتيون العنان لمشاعرهم وأفكارهم. انقسموا بين مناصر ومعارض لتخلي جعجع عن الارثوذكسي. رفع أحدهم السقف عاليا عندما أعلن أن «القوات ليست معراب، القوات ضميرنا وتاريخنا. قضيتنا أمن وحرية المجتمع المسيحي. ولا يوم تصورت أن تفعل بنا قيادة القوات ما فعلت اليوم، حقوقنا هي 64 نائباً، و60 سنة على تحالف قوى الرابع عشر من آذار التي يراد لها أن تكون على حسابنا». لا ينكر ايلي أن القوات «خيبت أملي». يلوم القيادة التي قبلت بالتسوية «وهي بهذه الطريقة زادت أسهم التيار الوطني الحر». يزيد أن رأي جنبلاط معروف «وهو الذي قال إن جبهته ليست كاريتاس». كما أن تيار المستقبل «لو كان يهتم لحقوقنا لما كان فرض علينا نواباً بالاشتراك معه. ظننت أن القوات لا تساوم».
ولكن مهلا، ليس التمثيل المسيحي الصحيح في البرلمان هو فقط الذي يدفع قسماً من القواتيين الى الوقوف ضد قيادة معراب. ها هو سمير جعجع اليوم يجني زرع سنوات من التحريض ضد الشيعة ممثلين بحزب الله. القواتيون لا يريدون أن يأتي القانون المختلط بـ40 ألف شيعي الى «شرقيتهم». النقمة اليوم في الشارع المسيحي، استنادا الى أحد المغردين القواتيين، هي «على الذي خنق الحلم». يعطي هذا الاخير شهادة «ذكاء في السياسة» لعون، في حين أن «الحكيم أخطأ». في مقابل هذا الجو، هناك قواتيون متفقون مع سمير جعجع، فهو «قاهر الجميع». خصّصوا صفحاتهم من أجل الرد على ميشال عون. ذكّروه بحادثة اغتيال الملازم الاول في الجيش اللبناني سامر حنا، وموقف عون يومها. انها الحرب والحرب المضادة. كما أن حبة الفاكهة يوم أمس كان نشر فيديو عنوانه «الراعي يعلن موافقة عون على المختلط». أرادوها «ردا على فكرة سياسية بأخرى مثلها».
لا يرى المسؤولون القواتيون هذه الموجة السلبية الداخلية. ينكرون أن يكون هناك أي خلاف أو سوء تفاهم بين القيادة والقاعدة. لم تصلهم هذه الاحتجاجات. يقولون: «الحكيم عقد مؤتمرين صحافيين في غضون يومين من أجل التوضيح للرأي العام ككل وليس القواتي فقط». اضافة الى أن «النقاشات والاجتماعات الداخلية لم تتوقف بهدف التوضيح كل الامور للرفاق». يستنكر المسؤولون كيف أن الوسائل الاعلامية المعادية ذهبت الى مكان أبعد بكثير عن مشروع الارثوذكسي، وصار همها التذكير بمراحل الحرب. حجة يهرب اليها القواتيون كلما حشروا في الزاوية، في حين يلجأون اليها هم، يوم تكون تلك المرحلة وأحداثها تصب في مصلحتهم. ولكن الاكيد أن القوات، التي تحدّت الرئيس نبيه بري أن يطرح المشروع الارثوذكسي على التصويت، وتنصلت منه قبل ليلة، تواجه مشكلة مع جمهورها، والا لما أطل جعجع ليوضح موقفه طالبا البراءة. لكن رغم «الزنقة»، ثمة بين جمهور الحكيم من اقتنع خلال اليومين الماضيين بأن القوات مستهدفة، فيمّم وجهه صوب أقرب مركز قواتي ليقدّم طلب انتساب رسمي!