رغبت مفوضة الاتحاد الاوروبي لشؤون السياسة الخارجية والامن فيديريكا موغيريني، في ذلك اليوم، في الاستماع الى عدد من المستشارين والخبراء المتعاونين مع الاتحاد يجرون تقييماً للسياسة الخارجية التي يتبعها، للمرة الاولى منذ اربع سنوات. وهي المدة التي وجد الاتحاد الاوروبي نفسه يجبه الازمات المشتعلة في دول الشرق الاوسط، في العراق وسوريا ومصر وصولاً الى تونس. لم يكن فحوى اعادة التقييم بعيداً كذلك عما كان سمعه رئيس مجلس النواب نبيه بري في محادثاته مع المسؤولين في البرلمانين الاوروبي والبلجيكي طوال ثلاثة ايام في بروكسل. قلّما تكلموا عن اقتراحاتهم للحل السياسي في سوريا، وداروا في معظم احاديث على نتائج مؤتمر لندن للنازحين مطلع هذا الشهر، والكمّ المطلوب ــــ والكافي ــــ من المساعدات لادماج النازحين في دول استقبالهم.
رمت اعادة التقييم التي طلبتها موغيريني الى الوقوف على بضعة معطيات طبعت السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي:
اولها، مقاربة السياسة الخارجية كاتحاد وليس كدول، بعدما اخفقت فكرة كانت اعتمدت في السنوات الاخيرة قضت بتقبّل فكرة تلزيم دولة اوروبية مشكلة، تجعل من تعاطي هذه الدولة معها سياسة عامة يتبناها الاتحاد، وتالياً موقفاً مشتركاً لدوله منبثقاً من موقف الدولة المعنية. مثلت تجربة تلزيم فرنسا منذ عام 2011 ازمتي سوريا وتونس دليلاً مباشراً، بيد انها اخفقت في تعاطيها معهما، وفي احسن الاحوال لم تمكّن الاتحاد الاوروبي من اتخاذ الخيارات الاستراتيجية حيالهما، فوقع في التخبط. في مناقشة اعادة التقييم، لاحظ المتحدثون ضرورة جعل الاتحاد الاوروبي قاطرة سياسة خارجية اوروبية مستقلة، لا المضي وراء سياسات غير مثمرة اتبعتها حكومات دول الاتحاد، ناهيك بالحاجة الى اتخاذ مسافة من الموقف الاميركي.
اندفاع واشنطن وموسكو في سوريا جعلا الدور الاوروبي «كارثياً»

ثانيها، ملاحظة تقدم المصالح الاقتصادية لدول الاتحاد منفردة على سياسته الخارجية مجتمعاً، ومن ثم طغيانها على السياسة الاستراتجية الموحدة. كانت مفاوضات 5+1 مع ايران احد ابرز مظاهرها المعبرة عن تعارض مواقف بعض دول الاتحاد من تلك المفاوضات، واخصها فرنسا الاكثر تصلباً في مواجهة الجمهورية الاسلامية جراء ارتباطها بعقود مالية مع السعودية، الواقفة على طرف نقيض من الاتفاق على البرنامج النووي. على ان ثمرة تغليب الشق الاقتصادي على ذاك السياسي كمنت في استقالة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، رجل التشدد ضد ايران، اياما قليلة بعد زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني لباريس نهاية كانون الثاني وتوقيعه عقوداً تجارية ومالية. ما توخت قوله المناقشة تلك ضبط المصالح الاقتصادية للدول الثلاث الاكثر تأثيراً في الاتحاد وهي فرنسا وايطاليا والمانيا.
ثالثها، استخلصت اعادة التقييم واقعاً وصفته بـ«الكارثي» نجم عن تضاؤل الدور الاوروبي في المنطقة تحت وطأة الاندفاعة الاميركية في العراق وسوريا غالباً ما القت بثقلها في توجيه السياسة الاوروبية، والاندفاعة الروسية في سوريا لاحقاً على نحو اعاد خلط الاوراق في التعاطي مع الحرب في هذا البلد والافرقاء المتقاتلين معتدلين ومتطرفين، ناهيك بالموقف من مصير الرئيس بشار الاسد. في حصيلة ما ردّده المتحدثون اخفاق الاتحاد في مواجهة صراعات المنطقة، وخصوصاً على صعد الاقتصاد والتنمية والايديولوجيا والهجرة، اضف اتسام خيارات موغيريني ــــ خلافاً لكاترين اشتون ــــ بعدم وضوح الرؤية حيال سوريا ما خلا تمسكها باستراتيجيا استقرارها، دون الايغال في الخوض في النظام السياسي الجديد الذي يخلف حقبة الاسد.
رابعها، وجد متحدثو اعادة تقييم السياسة الخارجية ضرورة في اعادة تحديد الخيارات الاستراتجية انطلاقاً حيال حروب المنطقة تبعا لقاعدتي: العودة الى القانون الدولي وشرعة الامم المتحدة، الحفاظ على اراضي الدول الجاري النزاعات الداخلية والاهلية عليها وتأكيد وحدتها وتحديداً العراق وسوريا.
خامسها، تفاقم موجات الذعر التي تجتاح القارة من جراء الهجرة غير الشرعية الى بلدانها، في وقت تبدو عاجزة عن الاضطلاع بدور فاعل في حل سياسي لحرب سوريا. في صلب مناقشة هذا الجانب، ايجاد وسائل مجدية للجم الضغوط التركية اذ تفتح ابواب الهجرة تلك من طريق البحر الى النقطة الاقرب الى تركيا، وهي اليونان، كي يصير من ثم الى تدفق المهاجرين الى بلدان اوروبا.
سادسها، دمج النازحين في مجتمعات دول استقبالهم وتوفير نشاطات زراعية وصناعية تساعد على هذا الدمج الذي يتوخاه الاوروبيون نهائياً، مع توفير مقومات تقليل الاخطار الامنية التي تشكلها كثافة النزوح الى هذه الدول، على ان يكون هذا الخيار هو البديل من فتح ابواب الهجرة امامهم الى القارة العجوز. على نحو كهذا كان التعامل مع الدول الثلاث المعنية باستقبال النازحين والمهاجرين مختلفاً: تقديم مساعدات مالية وتعزيز قطاعات التنمية للبنان والاردن كي يعملا على دمجهم في مجتمعاتهما المحلية، وتقديم عروض سخية لتركيا غير المهيأة لإدماج عرب بأتراك لايصاد منافذ الهجرة من طريق اراضيها. على ان العروض هذه اقترنت كذلك بوعد قطعته المستشارة الالمانية انجيلا ميركل لانقرة ببذل جهود لادخال تركيا في الاتحاد الاوروبي، رغم معرفتها بوفرة الاصوات المناوئة لمحاولة كهذه.