تضاربت الآراء حول الهدوء الحذر الذي ساد طرابلس منذ صباح أمس، بعد ليلة وصفت بأنها الأعنف منذ اندلاع شرارة جولات الاشتباكات إثر أحداث 7 أيار 2008، بين من اعتبرها مدخلاً إلى ترسيخ هدنة دائمة، ومن رآها مجرد استراحة للمحاربين. وليلاً، أكّد الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي رفعت علي عيد ليل أمس أنه «أُبلغ من قبل قيادة الجيش بأن الجيش سينتشر من جديد على كل محاور طرابلس»، ثم تحدّثت معلومات عن اتفاق على انتشار الجيش انطلاقاً من جبل محسن. قبل ذلك، لم يصدر أي موقف يوحي بقرب انتهاء الاشتباكات.

فالاتصالات السّياسية والأمنية التي تسارعت في الساعات الـ48 الماضية، والتي أعطت انطباعاً بأن هناك جهوداً تبذل لإيجاد صيغة ما لوقف النار وإعادة الهدوء إلى طرابلس، اصطدمت بانقسام بين قادة المجموعات المسلحة في باب التبانة. فبعضهم طالب بعودة الجيش إلى المنطقة وبسط سيطرته عليها وعلى جبل محسن لضبط الأمن فيهما، فيما رفض آخرون هذه العودة إلا بشروط.
وبعد لقاءين عقدا في اليومين الماضيين في منزل النائبين محمد كبارة وأحمد كرامي، لم يكتب لهما الخروج بقرار يساعد على وقف إطلاق النار، عقد لقاء موسع لنواب ووزراء طرابلس بعد ظهر أمس في منزل الرئيس نجيب ميقاتي في الميناء، تبعه لقاء قرابة السادسة مع قادة محاور القتال في باب التبانة. وقد ترك الاجتماعان بعض التفاؤل بإمكان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو ما أشار إليه النائب كبارة قبل الاجتماع، في موازاة تأكيد ميقاتي أن طرابلس «ليست مكسر عصا لأحد، ولا صندوق بريد، ولا ساحة لتصفية الحسابات».
كلام ميقاتي فهم منه أنه تلميح مضمر إلى الكلام الذي أطلقه المدير السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. لكن لقاء ميقاتي مع «قادة المحاور» لم يخرج بقرار نهائي حول وقف إطلاق النار في طرابلس، إذ إن من حضروا استمهلوا «للتشاور مع بقية زملائهم من قادة المحاور والمجموعات المسلحة، قبل إعطائهم جواباً نهائياً».
لكن مصادر ميقاتي أكدت لـ «الأخبار» ان «أجواء اللقاء توحي بالإيجابية، وأن الأفكار التي طرحت فيه شددت على هدف واحد حالياً هو وقف إطلاق النار، وبعدها يمكن مناقشة جميع الملفات بلا استثناء».
وعن غياب بعض قادة المحاور عن اللقاء، أوضحت مصادر ميقاتي أن «الظروف الأمنية تمنع مجيء الجميع إلى اللقاء، لكن التواصل معهم قائم». إلا أن المصادر كشفت أن «بعض هؤلاء القادة غابوا عن اللقاء بفعل ضغوط مورست عليهم من قبل أشخاص وجهات سياسية متضررة من وقف إطلاق النار، بعضها طارئ على العمل السياسي»، في تلميح واضح إلى ريفي.
وتزامن الاجتماع في منزل ميقاتي مع سقوط الهدنة غير المعلنة، وتواتر أنباء عودة الاشتباكات واستهداف الجيش الى المجتمعين، ما فسّر بأنه محاولة من قوى متضرّرة لإجهاض أي جهد لوقف النار، وإظهار عجز السياسيين عن اتخاذ أي قرار ينقذ طرابلس. وقد تجدّدت الاشتباكات مساء على محور باب التبانة ـــ جبل محسن، وأدّت الى سقوط قتيل في شارع سوريا، كما فتح مسلحون النار من منطقة البقار على ثكنة بهجت غانم التابعة للجيش في منطقة القبة، ما أدى إلى جرح 4 عسكريين، بعدما كان قد سقط جريح للجيش قبل الظهر.
ويعدّ استهداف ثكنة الجيش، التي لم تستهدف في أي من جولات الاشتباكات السابقة، مؤشراً خطيراً على تدهور الأوضاع، وفسّر البعض هذا الاستهداف بأنه جرس إنذار لما هو آت إذا لم يجر تدارك الأمور قبل ذهابها نحو المجهول.
وسبقت الاجتماع في منزل ميقاتي جولة قام بها المدير العام بالوكالة لقوى الأمن الداخلي اللواء روجيه سالم في طرابلس، فزار مقر قيادة الشمال في قوى الأمن الداخلي وميقاتي وريفي، وأكد أنه «لا غطاء سياسياً فوق المسلحين الذين فتحوا على حسابهم»، واعداً «بإصلاح الأمور والوقوف إلى جانب الناس برغم الإمكانات المحدودة».
من جهته، حذّر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من «المؤامرة التي تتعرّض لها مدينة طرابلس على أيدي أصحاب المشاريع الهدامة »، لافتاً الى أن «أدوات الفتنة تتحرّك على وقع الأحداث في سوريا وتريد من القتال الدائر، تأمين الغطاء لحرب حزب الله والنظام السوري». ودعا الحريري الجيش الى «تحمل مسؤولياته في ردع الفتنة ومكافحة تهريب السلاح الثقيل الى جهات معروفة تعمل بإمرة النظام السوري وأتباعه».
لكن كل هذه الدعوات لم تؤد إلى أي نتيجة، فالوضع الأمني انفجر على نطاق واسع مساءً، وأدى إلى سقوط مزيد من القتلى الذين وصل عددهم إلى 20 قتيلاً، فيما ناهز عدد الجرحى الـ200.
وأكّد بعض كوادر المجموعات المسلحة لـ«الأخبار» أن الاشتباكات لا يتوقع لها أن تتوقف قريباً، ليس بفعل أجواء الاحتقان السياسي والمذهبي السائدة، بل لأن كميات إضافية من السلاح والذخيرة جرى توزيعها في الساعات الماضية على المسلحين.
وليلاً، ترددت معلومات عن ضبط الجيش شاحنتي سلاح كانتا متجهتين إلى طرابلس من عكار، لكن لم يتم التأكد من هذه المعلومات.