موجة من التحريض المذهبي اتبعتها الفضائيات المعارضة للنظام السوري أمس. وبعدما تأكّد خبر سيطرة الجيش على القصير، راحت هذه القنوات تروّج لأعداد كبيرة من الجرحى والقتلى.
لم يكن رئيس «الائتلاف» المعارض بالإنابة، جورج صبرا، يدري ربما أنّه عندما وجّه نداءً إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بغية فتح «ممرات آمنة لإخلاء الجرحى داخل القصير»، وتحذيره من حصول مجزرة في حال لم يُستجب لهذا الأمر، أنّ هذا النداء الذي وجِّه قبل يوم واحد من سيطرة الجيش على القصير سيتحول الى بروباغندا تعتمدها الفضائيات العربية وبعض القنوات المحلية المعارضة للنظام السوري بغية تحجيم الإنجاز العسكري في هذه المنطقة الاستراتيجية، كما وُصفت.
بعدما كانت القصير أشبه بلازمة في هذه القنوات التي كانت تستضيف الخبراء العسكريين والاستراتيجيين لـ«شحذ الهمم»، اتخذت المعركة الإعلامية أمس منحى آخر: تكريس الأحادية في الخطاب وموجة من التحريض المذهبي، خصوصاً تجاه «حزب الله» والعمل على شدّ العصب ضد تدخّله في المدينة. تخلّت هذه القنوات عن قناع «الحيادية» وعن سياسة استطلاعات الرأي التي بدأتها منذ فترة كجزء من هذه الحملة المضادة على الحزب. وأمس، دخلت هذه الفضائيات في حالة من الإنكار دعّمتها بحملة راحت تبرّر سبب فرار المجموعات المسلحة الى الجوانب الشمالية من المدينة، وافتقادها الإمدادات العسكرية واللوجستية وغياب التكافؤ العسكري بين الجانبين. والأهم من كل هذا، كان هناك ترويج لمذبحة ادّعت هذه القنوات أنّ النظام وحزب الله ارتكباها معاً وأودت بحياة «المئات». هذا ما فعلته «العربية» و«الجزيرة»، وإلى جانبهما «المستقبل» التي تبنّت هذه الرواية. ذهبت «المستقبل» أبعد من ذلك حين ادّعت أنّ المعارك ما زالت مستمرة، واعتمدت تحريفاً لما أوردته القناة الإسرائيلية الثانية أنّ «إسرائيل» هلّلت للقوات السورية النظامية من خلال سيطرتها على القصير، ملمّحة الى وجود تنسيق وتناغم بينهما. حالة الإنكار والتضليل ترافقت مع تركيز المحطات المناوئة للنظام على الجانب الإنساني الذي لم تُعرف حقيقته فعلاً وسط تضارب الأخبار عن وجود مدنيين في القصير. اتّكأت هذه القنوات على تقارير الأطباء والمرصد السوري لحقوق الإنسان والنداءات من أجل إجلاء الجرحى و«تأمين ممرات آمنة لهم قبل حصول مجازر»، وراحت «العربية» تروّج لسقوط عدد كبير من الجرحى (2400) والقتلى المدنيين (278). لكنّ رواية الجرحى واللعب على الوتر العاطفي الإنساني دحضتهما الصور والمعلومات التي تولّت بثّها قناتا «المنار» و«الميادين» اللتان كانتا الوحيدتين في القصير ومثّلتا مصدراً للعديد من وسائل الإعلام. أكّدت المحطتان خلوّ المستشفيات من الجرحى، وبالتالي خلوّ المدينة من المدنيين، كما أفردتا ساعات طويلة من البث المباشر من داخل أحياء القصير لنقل الصور الحيّة من هناك.
في هذا الوقت، برز المسؤول الإعلامي في «الجيش السوري الحر» فهد المصري الذي لم يعرف ما إذا كان يتحدث من باريس أو عبر الحدود اللبنانية السورية كما قال لقناة «الجديد». راح المصري يتنقّل بين الشاشات المحلية والفضائية، نافياً سيطرة الجيش النظامي على القصير، ومدّعياً أنّ هذه الصور الحيّة «مفبركة» ومأخوذة من الأرشيف. قال إنّ «القصير لم تسقط»، ليتبعه زميله المنسق الإعلامي والسياسي في «الجيش الحر» لؤي المقداد الذي وعد مشاهدي قناة «العربية» بـ«مفاجآت ستحصل ليلاً». حجّم المقداد من التقدم الذي أحرزه الجيش السوري عبر القول إنّه تقدم فقط على بعض المحاور، وليس كلّها. هذه التصريحات جاءت لتكشف التخبّط الذي أصاب الجسم المعارض بين بيان للائتلاف يقرّ بالهزيمة، وبين هؤلاء المصرّين على نكران الواقع.
وسط ذلك، مثّلت «المنار» رأس حربة في التغطية الميدانية والإخبارية. كانت من أولى القنوات التي نقلت الصور إلى جانب «الميادين» (كان مراسلاها محمد محسن ومحمد الساحلي في القصير) من الداخل، وأعلنت دخول الجيش السوري القصير. وكان لافتاً خلع مراسل «المنار» يوسف شعيتو خوذته الواقية من الرصاص إيذاناً بانتهاء المعركة، وسط أزيز الرصاص المتطاير من عمليات التمشيط. إلى ذلك، لم تكتفِ «الميادين» بعرض الصور والتغطية الميدانية الحيّة، بل راحت تروّج لصدام مسلّح يقع بين الفصائل المسلحة المعارضة في المناطق التي لاذت إليها وتشاجرها حول أسباب هذا التقهقر الحاصل. المعركة انتهت ميدانياً، لكنّها استمرّت في الفضاء وعلى الشبكة العنكبوتية. هناك، بدأت معركة حامية الوطيس بين المؤيدين والمعارضين لا يبدو أنّها ستنتهي قريباً.