إن لم يتحرك العالم فستقولون كان هناك مدينة اسمها حمص. هكذا، كان يردّد الناشط السوري هادي العبدالله من حي باب عمرو في حمص، أيام اشتداد المعارك عليها. من عاصمة الفكاهة السورية، انطلق الشاب كمراسل حربي لفت الأنظار منذ اندلاع الأزمة السورية. بداية، صدح صوته المركب على الفضائيات العربية حتى ظنه البعض رجلاً متقدماً في العمر، بسبب الآلة التي يستخدمها حتى يتمكن من تغيير صوته أثناء اتصاله بالفضائيات الإخبارية.
لكن بعدما اطمأن على أهله الذين نزحوا إلى الأردن، قرّر هادي العبدالله الكشف عن صوته ووجهه فظهر بشكل مكثف على شاشات الإعلام ليبث رسائله الميدانية. يحكي عنه أحد الصحافيين السورين بأنه «عندما رأيناه لأول مرّة على الشاشة وسمعنا صوته، رأينا أمامنا شاباً في مقتبل العمر، لا يشبه الصورة المتخيّلة التي رسمها له كل واحد منا». لكن أسلوب التغطية التهويلية والتحريضية الذي اعتمدته بعض الفضائيات الإخبارية، ولا سيما محطتا «الجزيرة» و«العربية» اللتان ظهر عليهما بكثافة، جعلت المتلقي يشكّ في حقيقة ما يتابعه. لكن الأمر اختلف عندما قرر الشاب الحمصي الظهور باسمه، ليتحول إلى أحد أشهر إعلاميي المعارضة السورية المسلحة، وليعرّف عن نفسه باسمه الحقيقي، وعمره الذي لا يتجاوز 26 عاماً، ويبدأ بمرحلة جديدة كرّس فيها جهوده في الوجود في الخطوط الأمامية للمعارك الدائرة بين الجيش السوري والمعارضة، بدءاً من أحياء حمص (باب عمرو ــ الخالدية ــ حمص القديمة) وصولاً إلى مناطق ريف حلب، وعودة إلى مناطق ريف دمشق، وبعدها إلى القصير، وعلى الرغم من إصراره على التهويل والمبالغة في بعض تغطياته، إلا أن ذلك يبرره له مختصون في الإعلام على اعتبار أن تغطياته تنحصر في العمليات العسكرية، لذا يجب عليه المساهمة برفع المعنويات والدعم النفسي الذي يدخل ضمن اختصاص أي مراسل حربي.
تعرّف عنه «ويكيبيديا» باقتضاب لتفيد بأنه أحد أبرز وجوه «الثورة» في سوريا، كما أنه عضو في الهيئة العامة لها، وبأنه نشط بعد اقتحام الجيش السوري لحمص على أثر التظاهرات الحاشدة في ساحة الساعة الشهيرة، وأنه تمكن من تغطية أخبار المجازر التي وقعت بالقرب من حمص، مثل مجزرة كرم الزيتون ومجزرة حيّ السبيل. بينما تكيل له بعض المدونات والمواقع المعارضة سيلاً من المديح، وتعتبره إحدى معجزات الثورة وأيقوناتها، وقد تمكن بجهاز كمبيوتر وكاميرا غير احترافية من كشف جزء يسير من حقيقة ما يجري على الأرض، بحسب تلك المواقع. احتلت تقاريره المصورة صفحات وكالات الأنباء العالمية التي صارت تعتبره ناطقاً رسمياً ومرجعية. طبعاً، جدير بالذكر أن اسم هادي العبدالله لمع عندما اتخذت المحطات الإخبارية من الناشطين السوريين الميدانيين بديلاً من شبكة مراسليها الذين منعوا من دخول الأراضي السورية، لكن الغالبية من هؤلاء بدت طريقة عملهم مربكة لا تمت لأي شكل من أشكال الإعلام بصلة، حتى إن فيديوهات مسربة فضحت طريقة فبركة أشرطتهم كما تريدها القنوات التي كانت تبثها. بينما تميز هادي العبدالله وعدد قليل من الناشطين السوريين، نتيجة تلك الظروف التي جعلتهم يحملون الكاميرات لأول مرّة في حياتهم، وينقلون ما يجري في سوريا إلى العالم، وخاصة أن المعارك في حمص كانت الأعنف، وقد أخذت الضجة الإعلامية الكبرى منذ بداية الأحداث في سوريا وتحديداً في بابا عمرو والقصير.
تسلّح العبدالله بلغة الإعلام الحربي وبجرأة وشجاعة فريدة من نوعها، وقد ظهر عدد كبير من الفيديوهات وهو في مرمى النار فيسقط من حوله المقاتلون الميدانيون، وينجو هو بطريقة تشبه الأفلام السينمائية، لكن يبقى احتمال موته شبه المحتم في كل مرة يظهر فيها. هكذا، صار يكفي أن تضع اسم الناشط السوري في خانة البحث على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تظهر عشرات النتائج وخاصة على موقع «يوتيوب»، الذي يبث المئات من أشرطة الفيديو لتغطيات الشاب الحمصي، وآخرها تلك التي صوّر فيها مطار الضبعة ليثبت أنه ما زال تحت سيطرة المعارضة وتقارير ميدانية أخرى من معارك القصير.
بـ 180 ألف متابع على صفحته على «فيسبوك»، وحوالى 113 ألفاً على «تويتر» ومئات الفيديوات والمداخلات والتقارير يستمر هادي العبدالله من دون أن يتمكن حتى الإعلاميون السوريون المعروفون من الوصول إلى هذا العدد من المتابعين.
لكن، ما هو مصير العبدالله اليوم؟ يعلو صوت الناشطين السوريين الذي يؤكدون انقطاع الاتصال به منذ دخول الجيش السوري فجأة صباح أمس إلى القصير، بينما تزفه صفحات إلكترونية ليست موثوقة كشهيد للثورة السورية، والإعلام السوري الحر، في حين يؤكد أحد الناشطين السوريين في اتصاله مع «الأخبار» بوجود العبدالله في المناطق الممتدة من القصير وانقطاع البث الفضائي لديه نتيجة القصف المتواصل.
يختلف الكثير بشأن توجهات العبدالله الإسلامية، وينتقده الكثيرون بسبب تحيّزه الواضح في ما يبثه، ولكن يجمع الموالون والمعارضون على شجاعة الرجل وإقدامه وتحوله إلى رقم صعب في إعلام الحروب.