بكثير من الغبطة رحّبت الفضائيات العربية بفوز الرئيس الإيراني حسن روحاني. «المرشح المعتدل المقرّب من الإصلاحيين» رأت فيه هذه الفضائيات «وجهاً منقذاً لبلاده»، لا بل حظي الأخير بترويج إعلامي له قبيل إجراء الانتخابات. فبدءاً من يوم الجمعة الفائت راحت الفضائيات تلمّع صورة روحاني وأرفقت ذلك بكمّ من التهويل حول احتمال تزوير النتائج أو عرقلة وصوله الى سدّة الحكم.
أعطت الفضائيات العربية زخماً غير مسبوق لروحاني كرجل «سينشل البلاد من محنتها الاقتصادية وكمفاوض ليّن في الملف النووي الإيراني مع الغرب». وهذا ما ظهر من خلال استخدام حملته رمز المفتاح كإشارة إلى حلّ العقد واجتراح الحلول.
مقابل هذا الدعم العلني، أطلقت تلك الشاشات حملة دعائية مضادة استهدفت المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، إذ وصفته بـ«الخاسر الأكبر» من فوز روحاني. قناة «العربية» عنونت أحد تقاريرها مثلاً: «خسارة المرشد الأعلى دلالة على ضعفه»، ووصف التقرير روحاني بـ«أقوى رئيس انتخب منذ قيام الثورة». روحاني «النجم» كما تبنّت القناة السعودية تسميته، قالت إنه «أحدث إرباكاً واسعاً في معكسر المحافظين». «العربية» ذهبت أيضاً الى التحدث باسم الشعب الإيراني فقالت «إن نتائج هذه الانتخابات هي بمثابة رسالة من الشعب بضرورة تغيير النظام القائم».
تقارير مراسلي «العربية» من دبي تنبّأت بفوز روحاني وتحدثت عن «احتواء مارسه المرشد على الإصلاحيين عبر تكتمه على دعم اسم معيّن بشكل علني خلافاً لما فعله في الدورتين السابقتين». تحليل «العربية» ترافق مع تهويل من «محاولات لعرقلة وصول روحاني الى الحكم من خلال تزوير نتائج الانتخابات».
وعلى خطى زميلتها، أظهرت قناة «الجزيرة» دعماً للمعتدل روحاني من خلال العنوان الذي اعتمدته في تغطيتها، والذي يقول: «انتصار الاعتدال على التطرف».
القناة القطرية انتقدت في تقاريرها الحكم السابق ووصفته بـ«القمعي الذي كبح حركة الإصلاحيين طيلة السنوات الماضية وأبقاهم في حالة عزلة منذ عام 2009».
وتحت عنوان «إيرانيون يحتفلون بانتخاب روحاني ويرددون أحمدي نجاد باي باي» نقلت الفضائيات عن تقرير لوكالة «فرانس برس» أجواءً تظهر فرح الناخبين الإيرانيين بطريقة مبالغ فيها، ويقول إنه «بعد مرور 8 سنوات عاد الفرح الى المدينة وعلى وجوه الناس»! ويختم التقرير: «لا للعسكري لا لرئيس البلدية (نجاد) نعم للشجاع روحاني».
قناة «بي بي سي عربي» لم تخرج أيضاً عن سرب «العربية» و«الجزيرة»، وكان شعارها بعيد الانتخابات: «لحظة تغيير في إيران.. رسائل غير مريحة للتيار المسيطر على مقاليد الحكم».
وفي مقابل الاجواء الاحتفالية الداعمة لروحاني، وقعت تلك المحطات في ازدواجية في التغطية، من خلال استضافة محللين ونشر مقالات لكتّاب خصوصاً من الخليج تتضمن انتقادات لاذعة للنظام الإيراني وتشكّك في الديموقراطية الحاصلة هناك وتسخّف العملية الانتخابية. ضيوف منابر الفضائيات العربية تحدّثوا عن منصب رئيس الجمهورية الإيراني الذي «ليس سوى موظف لدى الولي الفقيه صاحب السلطة المطلقة الذي لا يغيّبه إلا الموت». حتى إن بعضهم وصف عملية الانتخابات في إيران بـ«كذبة الديموقراطية».
خارج سرب تلك الفضائيات، استثمرت قناة «الميادين» جهداً ووقتاً كبيرين في تغطية الانتخابات الإيرانية، وبدا للوهلة الأولى كأن اختيار الرئيس الإيراني الجديد هو برنامج تلفزيوني معدّ حصرياً ليُبث على شاشة هذه القناة.
أداء «الميادين» ذكّر بتغطية القنوات الأميركية لانتخابات الولايات المتحدة الرئاسية التي تخصَّص لها مبالغ كبيرة في ميزانيات المؤسسات الإعلامية. قدّمت «الميادين» الحدث الإيراني باعتباره «انتخابات دولية»، وهي في هذا عاكست توجهاً عاماً لدى بعض دول المنطقة وإعلامها، والتي تسعى جاهدة لإنكار وجود انتخابات فعلية في الجمهورية الاسلامية.
حالة الانكار من جهة والاحتفال الإعلامي من جهة أخرى انعكسا على أداء معظم الفضائيات العربية، حيث تحوّلت التغطية الإعلامية من مجرد خبرية إلى تحليل يشرح ويروّج أفكاراً محددة حول الوضع الجديد في طهران.