ابن قرية من الريف الإيراني النائي. عصاميّ، بنى نفسه بنفسه. لا البازار أفضل عليه، ولا المؤسسة الدينية التقليدية ساهمت في تقدمه. معروف باعتداله، أو وسطيته كما يحب أن يسميها، وإن كان يفاخر بانتمائه إلى اليمين الديني، وبأنه أحد مؤسسي «روحانيات مبارز»، التي ولدت قبل الثورة ممثلة لهذا اليمين. وسطية يعبر عنها في كل مناحي حياته. حتى في شعار حملته الانتخابية الذي اختاره مفتاحاً يرمز إلى فتح باب الحلول لمشاكل البلاد، واللون البنفسجي لكونه من الألوان الرائجة.
دبلوماسي بالفطرة، فاوض الغرب سنوات، لا في جنيف ولا ألما آتا ولا حتى اسطنبول وبغداد. أتى بهم إلى طهران نفسها، إلى قصر سعد أباد. ماسك لخيوط اللعبة الإقليمية، ووجه مقبول لدى قادة الخليج، خلافاً لسلفه محمود أحمدي نجاد الذي كانوا يتوددون له بفضل قوة بلاده لا بسبب كاريزما شخصيته. مفاوض حقيقي يرغب في التهدئة. لكنه متمسك بأن تبقى إيران مرفوعة الرأس. شعاره أن «كل من يريد أن يتكلم مع الأمة الإيرانية عليه أن يفعل ذلك باحترام». برنامجه عنوانه «التدبير والأمل». خلاصة تفكيره أن الوقت ليس وقت الخطاب السياسي الخاص بالمبدئيين، من أمثال سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف. الظروف لا تسمح بمفردات من نوع «حشر أميركا في الزاوية» و«تكسير رأسها» وما إلى ذلك. بل بالعكس. إنه وقت التفاوض، ولكن برأس مرفوع وعلى قاعدة التكافؤ. فالمنطقة مشحونة بأجواء الحرب، وتصعيد اللغة لا يجدي نفعاً. ليس لديه موقف واضح من الأزمة السورية خارج إطار المفردات المعروفة للسياسة الإيرانية القائمة على ضرورة الاستجابة لتطلعات الشعب السوري وأن يكون الحل سياسياً وعبر الحوار. لعل امتناعه ذاك يعود إلى إدراكه أن هذا الملف بيد القيادة العليا.
والده، أسد الله فريدون روحاني، لم يكن سوى صاحب دكان صغير في بلدته سرخة الصغيرة، القريبة من سمنان، في ريف شرق إيران حيث قاتلت عائلته ضد الشاه. ولد روحاني عام 1948. درس في الحوزة العلمية لمدينته عام 1960، ثم انتقل بعد عام إلى قم، حيث حضر الحلقات الدراسية لعلماء كبار مثل محمد محقق الداماد، الشيخ مرتضى الحائري، السيد محمد رضا كلبايكاني، سلطاني وفاضل لنكراني.
أكمل دراسته الأكاديمية وحصل على البكالوريوس في القانون من جامعة طهران عام 1972، ثم انتقل الى الخارج وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة غلاسكو كالدونيان في اسكوتلندا عام 1999.
بعد مسيرة نيابية بين عامي 1980 و2000، انتقل إلى عضوية مجلس خبراء القيادة، الهيئة المكلفة الإشراف على عمل المرشد الأعلى علي خامنئي. وهو يرأس حالياً مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو أحد الأجهزة الاستشارية العليا للمرشد الأعلى.
يفاخر روحاني بأنه لعب أدواراً عسكرية مهمة أثناء الحرب العراقية الإيرانية في الفترة 1980 - 1988 حيث شغل مواقع قيادية، من بينها قائد الدفاع الجوي، وبأنه شارك في إعادة تنظيم الجيش الإيراني والقواعد العسكرية. انتخب عام 1980 عضواً في مجلس الشورى الإسلامي، وظل فيه لخمس ولايات متتالية، وتولى مرتين منصب نائب الرئيس. كما ترأس لجنة الدفاع ولجنة السياسة الخارجية، وما بين 1980 و1983 ترأس لجنة الرقابة على الجهاز الإعلامي الوطني. ومع تشكيل المجلس الأعلى للأمن القومي، شغل روحاني منصب ممثل قائد الثورة الإسلامية في المجلس، ثم أصبح أمين المجلس لمدة 16 عاماً بين 1989 و2005، كما عين مستشاراً للرئيسين رفسنجاني وخاتمي للأمن القومي لمدة 13 عاماً. ولا يزال ممثلاً للمرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي.
في عام 1991، عين في مجمع تشخيص مصلحة النظام رئيساً للجنة السياسة والدفاع والأمن في المجمع. في الانتخابات التشريعية عام 2000، انتخب روحاني ممثلاً لمحافظة سمنان في مجلس الخبراء. وفي عام 2006، مثل طهران في المجلس ولا يزال في هذا المنصب حتى اليوم.
وتولى في عهد الرئيس خاتمي المفاوضات النووية بين إيران والدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) لحل الأزمة النووية الإيرانية بين عامي 2003 و2005. وأطلق عليه لقب «الشيخ الدبلوماسي». كان يرأس حينها فريقاً دبلوماسياً يضم علي أكبر ولايتي وكمال خرازي.
في عام 2003، خلال محادثات مع باريس ولندن وبرلين، وافق روحاني على تعليق تخصيب اليورانيوم وتطبيق البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية للسماح بعمليات تفتيش غير معلنة مسبقاً للمنشآت النووية الإيرانية. أكسبه هذا القرار احترام الغربيين، لكن المحافظين اتهموه بالوقوع تحت «سحر ربطة عنق وعطر جاك سترو» وزير الخارجية البريطاني حينها. إلا أن روحاني يدافع بشراسة عن خطوته تلك، مؤكداً أنه لو لم يتخدها في ذلك الظرف العصيب، بعد الغزو الأميركي للعراق، لكانت بلاده تعرضت لحرب.




الحوار مع أميركا ممكن

أعلن الشيخ حسن روحاني في برنامجه الانتخابي أنه «لا يوافق على السياسة الخارجية الحالية للبلاد»، وقال: «سنسعى الى توافق جيد (مع الدول الأجنبية) لتخفيف العقوبات تدريجاً ورفعها بالكامل». وأضاف إن «هذه الحكومة استهانت بالعقوبات... في حين أنها كانت تستطيع تجنبها أو تخفيف آثارها»، واعداً بـ«إرساء علاقات بناءة مع العالم». كما يؤكد روحاني أن «حكومتي لن تكون حكومة تسوية واستسلام (في الملف النووي)، لكننا لن نكون كذلك مغامرين»، مضيفاً إنه سيكون «مكملاً (لسياسات) رفسنجاني وخاتمي».
لا يستبعد روحاني إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، العدو التاريخي للجمهورية الإسلامية، لإيجاد حل للأزمة النووية، على رغم وصف هذه الخطوة بـ«الصعبة».
ولطالما دافع روحاني عن دوره في السياسة الخارجية أثناء شغله منصب كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي إبان حكم الرئيس محمد خاتمي، قائلاً «خلال رئاسة السيد خاتمي، نجت البلاد من أزمة... تعرض بلدان إقليميان لهجمات، وكانت إيران على القائمة دائماً»، في إشارة منه إلى حربي أفغانستان والعراق. وتابع «تمكنت إيران من أن تنأى بنفسها عن هذا المسار من خلال الحكمة والتخطيط».
يرى روحاني أن إسرائيل تقف خلف حملة وصف الأنشطة النووية السلمية لطهران بأنها برنامج أسلحة. ويطالب الولايات المتحدة وحلفاءها بالكف عن هذا الخداع، مشيراً إلى أنه سيحكم على الرئيس الأميركي باراك أوباما من خلال أفعاله لا من خلال كلماته، ودعا الى رفع العقوبات المفروضة على إيران من أجل تحسين العلاقات. ويشدد على أن الاتهامات الموجهة له بأنه عطل التطور النووي لإيران «أكذوبة».
عارض روحاني دائماً السياسة الخارجية لنجاد، قائلاً «السياسة الخارجية لا تقوم على ترديد الشعارات. السياسة الخارجية لا تعني استخدام كلمات رنانة. السياسة الخارجية لا تعني زيادة المخاطر التي تتهددنا». ويضيف إن أولويته في السياسة الخارجية ستنصب على «التصالح» مع العالم الخارجي، والنأي بإيران عن أسلوب الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد «المتشدد والقتالي».
يحمّل روحاني نجاد مسؤولية تدهور الاقتصاد. ويرى أنه «إذا ما أردنا التصدي للفساد، فينبغي ضمان حرية الصحافة ووسائل الإعلام. يجب أن يكون الناس أحراراً»، معتبراً أنه «يجب أن تكون الشرطة آخر من يتدخل في المسائل الثقافية».
يقول «إذا نظرنا الى حال البلاد والمشاكل في الريف والحضر والصغار والكبار والطلبة... الجميع يعلم المشاكل والقضايا الاجتماعية في حياتنا اليومية. هل توجد أسرة لم تتضرر من البطالة؟». ويضيف «يجب أن نحافظ على مصالح البلاد والأمن القومي، وكذلك توفير الظروف لخلق الفرص حتى يشارك الناس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً».



إجراءات التسليم وفريق العمل

من المبكر جداً الحديث عن فريق عمل الرئيس العتيد، لكن المرجح أن تشكيلته ستأخذ في الاعتبار ثلاث ثوابت: الأولى، أنه سيكون فريقاً مخضرماً، خلافاً لفريق عمل الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي تشكل من تكنوقراط شباب متحمس. والثانية أنه سيكون خليطاً من الفريق الخاص بروحاني من «مركز التحقيقات الاستراتيجي» الذي يرأسه وهو جزء من مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومن جماعة الرئيسين الأسبقين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. والثالثة أنه لن يأتي بأي من الصقور، وإنما سيجمع شخصيات معتدلة لا تثير حساسية أي طرف.
سوف يكون روحاني في موقع الأخذ بالاعتبار كبار مفاتيح مجلس الشورى، وخاصة الرئيس علي لاريجاني، كونهم قادرين على إسقاط وزرائه في البرلمان، علماً بأن رئيس الجمهورية لديه صلاحيات كاملة لتسمية فريقه الحكومي، باستثناء ثلاث وزارات، يرشح وزراءها الرئيس ويوافق عليهم المرشد، وهي الخارجية والدفاع والأمن
من بين الشخصيات المرشحة لأن تأخذ مواقع في الإدارة الإيرانية الجديدة، ولعل أبرز المرشحين محمد رضا عارف المرشح الأوفر حظاً لتولي منصب معاون رئيس الجمهورية مكافأة له على انسحابه من سباق الرئاسة لصالح روحاني. كذلك يرجح عودة رئيس البنك المركزي في عهد رفسنجاني، حسين عادلي، الى هذا المنصب. كما يبرز هناك احتمال أن يبقى علي أكبر صالحي في منصبه وزيراً للخارجية، أو أن يخلفه كمال خرازي في هذا المنصب. أما بالنسبة إلى وزارة الدفاع، فيبرز اسم أكبر تركان، وهو أبرز مستشاري حملة روحاني. إلا إذا تقرر إبقاء الوزير أحمد وحيدي الذي نأى بنفسه عن الصراعات الداخلية.
يتسلم روحاني الرئاسة خلال 45 يوماً. وفي المراسم زيارة ضريح الإمام الخميني، قبل أن يستقبله الإمام خامنئي، ثم يتوجه إلى رئيس البرلمان علي لاريجاني في زيارة بروتوكولية .
ويعقد روحاني بعد ظهر اليوم مؤتمراً صحافياً، وخلال الأيام العشرة المقبلة سيصادق مجلس صيانة الدستور على محضر نتائج الانتخابات الرئاسية الذي أصدرته وزارة الداخلية. ثم يحدد موقع للرئيس الجديد ليدلي اليمين الدستورية في مجلس الشورى. وعادة يكون هذا الموعد بعد 20 يوماً من صدور نتائج الانتخابات. وفي 2 آب، يزور الرئيس الجديد مرشد الثورة الذي يصادق على تنصيبه رئيساً للجمهورية، ويشهد مراسم التسليم والتسلم بين روحاني وبين الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، في احتفال تنصيب يحضره كبار قادة البلاد. ومن بعدها يأخذ روحاني مهلة شهر لتشكيل حكومته وعرضها على البرلمان وزيراً وزيراً.