1.5 مليون نازح/ة من سوريا الى لبنان. العدد يعني الكثير، ليس فقط على صعيد المأساة التي تعيشها أسرهم والظروف السيئة جدّاً التي يتدبرون فيها أمور بقائهم، بل على كل الصعد الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والخدمية والسياسية والامنية... وما ينطوي عليه من زيادة درجة المخاطر والضغوط على مستوى المعيشة وسوق العمل والبنى التحتية والخدمات العامّة.
لنفكّر في الامر ملّياً. النمو الطبيعي للسكان في أي مكان يحتاج الى إدارة محكمة مبنية على سياسات ورؤى، فكيف إذا ارتفع عدد المقيمين من 4 ملايين الى 5.5 ملايين نسمة دفعة واحدة؟ هذا يعدّ كارثة بكل ما للكلمة من معنى. في حالة لبنان اليوم، نحن أمام كارثة بلا إدارة وفي ظل غياب تام للدولة والمساعدة الخارجية الفعلية. يعاني لبنان من مشكلات أصلية تسبق نزوح هذا الكم من الاسر السورية إليه: عجز فادح في القدرة الاستيعابية للبنى التحتية وتدهور موصوف في الخدمات العامّة (صحّة وتعليم ونقل وإدارة النفايات). كذلك يعاني من تشوّهات بنيوية مكلفة في المجتمع والاقتصاد والمالية العامّة (طغيان النشاطات الريعية والخدمات المنخفضة الانتاجية، شاب من كل 3 شباب يجد عملاً، مستوى استغلال فاضح للعمالة غير الماهرة والوافدة، وحدّ أدنى للأجور يعزز منحى انهيار الطبقة الوسطى وانحدار أكثر من ثلث الاسر المقيمة الى ما دون خط الفقر، ومديونية عامّة قياسية تصل الى 70 مليار دولار). لا يحتاج المقيمون في لبنان الى من يشرح لهم حالتهم، لكن هناك حاجة إلى من يشرح للسوريين النازحين الأسباب التي تدفع محرومين مثلهم الى إبداء كل هذه العنصرية ضدهم. إنها أزمة الدولة بامتياز.