بعد ظهر أمس، رفض فادي البيروتي، أحد مرافقي أحمد الأسير، الامتثال لأوامر حاجز للجيش اللبناني بتوقيفه بسبب حمله سلاحاً. اعتدى عليهم فاعتقلوه. وسرعان ما حضرت لنصرته مجموعة من مناصري الأسير، يتقدمهم مساعده أحمد الحريري. تقدموا باتجاه الجنود وأحكموا الطوق حولهم، ما حدا بهم إلى إطلاق النار في الهواء لتفريقهم. لكن رصاص الجيش قابلته قذائف، سرعان ما سقطت على جنوده من المباني المجاورة لمسجد بلال بن رباح. حينها، بدأ تبادل لإطلاق النار والقذائف بين الطرفين، أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى في صفوف الجيش من جهة، ومقاتلي الأسير من جهة أخرى. وقصف مقاتلو الأسير ملالتين للجيش، ما أدى إلى احتراقهما واستشهاد من فيهما. وتسبّب قصف الجيش على مصادر النيران والقناصة بتضرر عدد من المباني التي تحصن داخلها وعلى أسطحها المقاتلون والقناصة. من هنا، نال المبنى حيث تقع شقتا فضل شاكر والأسير ومسجد بلال، النصيب الأكبر من الاحتراق.
في الوقت نفسه، وعلى غرار ما حصل في الاشتباك الأخير ضد حارة صيدا، تحركت مجموعات تابعة للأسير والجماعة الإسلامية وتيار المستقبل على الطريق البحري والأوتوستراد الشرقي في صيدا، في محاولة منها لقطع الطريق في الاتجاهين نحو الجنوب. لكن الجيش تمكن من منعهم. فيما تولت مجموعات أخرى رمي مادة المازوت على الطرقات المؤدية إلى عبرا لشل وصول السيارات وآليات الجيش نحو المربع الأمني. تطور الاشتباك دفع بالجيش إلى استدعاء أفواج المغاوير التي سيرت دوريات في أنحاء المدينة وأحكمت الطوق على المداخل المؤدية إلى المربع الأمني، في الوقت الذي أعلنت فيه قيادة الجيش قرارها بالحسم العسكري مع ظاهرة الأسير وإزالة المربع الذي استحدثه. على صعيد آخر، اشتبكت مجموعة من سرايا المقاومة ومقاتلي الأسير في الزيدانية في مجدليون. وسجل قنص وإطلاق نار من فيلا النائبة بهية الحريري، ما استدعى رداً من عناصر السرايا. الحريري كثفت اتصالاتها مع المراجع السياسية والأمنية للشكوى من إطلاق النار باتجاهها، وأطلقت نداء في وسائل الإعلام بـ«أننا محاصرون».
وعلى الكورنيش البحري، بالقرب من متوسطة معروف سعد، كمنت مجموعة من المقنعين لملالة للجيش أطلقت عليها النار قبل أن يرد عناصرها. وأفيد عن سقوط أربعة جرحى بين جنود الجيش ومقتل أفراد المجموعة.
مع تقدم ساعات الليل، كان الجيش قد أخرج سكان الأحياء السكنية القريبة من مسجد بلال. وحدد خطته الهجومية على المسجد بعد تأكد المعلومات من أن الأسير والعشرات من مقاتليه يتحصنون داخل المسجد بعدما سقطت الدشم والحواجز الاسمنتية التي استحدثها حول المسجد. وفيما سجلت معلومات عن فرار عدد كبير من مقاتليه من المعركة عن طريق وادي شرحبيل شمالاً، أكّدت مصادر أمنية أن مقاتلين من الجماعة الإسلامية شاركوا في الاشتباكات ضد الجيش.
مصدر عسكري قال لـ«الأخبار» إن تقدم الجيش كان بطيئاً بسبب استهدافه من قبل القناصة المنتشرين على أسطح المباني. واكتشف شبكة حديثة من كاميرات المراقبة التي تكشف مسافات بعيدة في محيط المربع الأمني، كان مقاتلو الأسير يصطادون من خلالها جنود الجيش الذين استشهد العدد الأكبر منهم قنصاً. وأشار المصدر إلى أن المقاتلين كانوا يعمدون إلى تفخيخ المباني التي يخلونها قبل وصول الجيش لإعاقة تقدمه وتكبيده المزيد من الخسائر. إلا أن أفواج المغاوير واصلت تقدمها حتى وصلت إلى مشارف المسجد. وعلى مدى ساعات طويلة، لم يتوقف مقاتلو الأسير والقناصة عن إطلاق النار باتجاه الجيش، ما كشف عن تدريبات مسبقة لمحاكاة مواجهة عسكرية. وبعد منتصف الليل، بدأت مرابض الجيش في صيدا بقصف المربع الأمني. وتكتم الأسير على عدد قتلاه وجرحاه، فيما أعاق الطوق العسكري حول المربع إحصاءهم. لكن المعلومات رجحت مقتل شقيقه أمجد الأسير ومرافقه الفلسطيني علي وحيد وعدد من المقاتلين، إضافة إلى سقوط العشرات من الجرحى.
وأصيب رئيس جمعية «الاستجابة» الشيخ السلفي نديم حجازي برصاص القنص أثناء مروره بسيارته على الاوتوستراد الشرقي فيما قتل مرافقه.
وكان الأسير قد رفض طلب مفتي صيدا سليم سوسان وقف إطلاق النار، مشترطاً انسحاب الجيش الذي دعا أفراده من أهل السنة إلى الانشقاق عنه والانضمام إليه. وفي وقت متأخر من ليل أمس، وصل إلى صيدا الشيخ سالم الرافعي على رأس وفد من مشايخ طرابلس لتقديم مبادرة لوقف إطلاق النار بين الجيش والأسير. لكن الجيش منعه من الدخول إلى المربع، فتوجه قسم منهم إلى مقر الجماعة الإسلامية، فيما توجه قسم آخر إلى جهة مجهولة لناحية شرحبيل في محاولة منهم للوصول الى عبرا. وبعد انتهاء الاجتماع في مقر الجماعة، توجه وفد للقاء رئيس فرع مخابرات الجنوب علي شحرور لعرض اقتراح بوقف اطلاق النار، فيما كانت الاشتداخل المربع الأمني مستمرة حتى ساعات الفجر.
وعلمت «الأخبار» أن الوفد عرض على شحرور وقف اطلاق النار وتأمين دخول الوفد الى مسجد بلال للقاء الأسير والتوسط معه لانهاء الوضع، لكن شحرور أجابهم بأنه لا يمكن أن يضمن مرورهم الى المنطقة بسبب كثافة القنص، كما أنه لا يمكن اعلان وقف لاطلاق النار لأن هناك التحاماً بين الطرفين. وانتهى اللقاء على زغل، مع تهديد الوفد بعقد مؤتمر صحافي يحمّل فيه الجيش مسؤولية عدم التهدئة اذا لم يتم وقف اطلاق النار خلال ساعة.
قيادة الجيش نعت عشرة شهداء من عناصره، من بينهم ضابطان وأكثر من أربعين جريحاً، سقطوا في اعتداء الأسير.