عصر أمس، بدأت الدبابات وآليات الجيش الثقيلة بعبور جسر الأولي في اتجاه بيروت، بعد إنهائها مهمة عسكرية سريعة أنقذت بوابة الجنوب صيدا من دوامة أحمد الأسير التي علقت فيها منذ أكثر من عامين، فيما كانت القوة الضاربة وفوج المكافحة في الجيش يصلان الى صيدا لتنفيذ حملة دهم واسعة لاعتقال كل من له علاقة بـ«الأسيرية»، إذ جمع فرع مخابرات الجنوب في الجيش عشرات الأسماء لأشخاص رافقوا الأسير وموّلوا أنشطته وقاتلوا معه، إلى جانب أعضاء مجلس الشورى لديه ومسؤولي المجموعات.
الأسماء عمّمت على الحواجز والقطعات التي بدأت باعتقالهم. ووصل عدد الموقوفين حتى مساء أمس إلى أكثر من 150 موقوفاً، نقلوا بعد التحقيق الأولي معهم إلى مديرية المخابرات في اليرزة لاستكماله. من بين الموقوفين بعض الذين اعتقلوا من أرض المعركة في المربع الأمني في عبرا أو كانوا مختبئين في عدد من الشقق واكتشفهم الجيش خلال تمشيط المربع، فيما أوقف آخرون على بعض الحواجز خلال محاولتهم الفرار إلى خارج صيدا، من بينهم 15 شخصاً أوقفوا مساءً على حاجز علمان الفرعي المؤدي إلى جسر الأولي. وأكدت مصادر مواكبة أن عدداً من المقاتلين أو الأسيريين المعروفين في صيدا تمكّنوا من مغادرة المدينة في اليومين الماضيين بعد أن غيروا في شكلهم الخارجي، إذ حلقوا لحاهم واستبدلوا الجلباب بلباس عادي، ومنهم من ارتدى العباءة النسائية السوداء وغطّى وجهه بالنقاب. ونقلت المصادر أن الفارين قصدوا بيئات حاضنة لهم كانت لهم أنشطة فيها مع الأسير، كالزيارات والاعتصامات والتدريبات العسكرية إلخ...، مؤكدة تلقّي عائلات بعضهم اتصالاً منهم مصدره طرابلس.
في عبرا، استكمل فوج المغاوير في الجيش لليوم الثاني تمشيط المربع الأمني لمسجد بلال بن رباح ومحيطه، ودخوله إلى مبان وشقق جديدة كشفت أمامه مخازن أسلحة لكميات كبيرة من القذائف والمتفجرات والرشاشات والذخيرة، إلى جانب شبكة ضخمة من كاميرات المراقبة. ومن مكتب الأسير الخاص، تمت مصادرة أجهزة حواسيب وأشرطة فيديو ومستندات ووثائق. وأظهرت عمليات الدهم أن بلال بن رباح لم يكن مسجداً أو مصلى أو قاعة للدروس الدينية، بل ثكنة عسكرية محصنة بالحواجز الأسمنتية والدشم الرملية. وكان لافتاً اكتشاف مصحف ألقي على مدخل المسجد، تبيّن بعد الكشف عليه أنه مفخخ. وقد عمل خبير المتفجرات في الجيش على تفجيره بعد مراجعة مفتي صيدا سليم سوسان. وتبيّن أن رفوف المكتبة ترتفع كجدار يخفي مخزناً للأسلحة وقاعة للتدريب. عمليات الدهم كشفت أيضاً وجود بعض المقاتلين الذين اختبأوا بعد دخول الجيش الذي اعتقلهم من دون مقاومة. لكن الاكتشاف الأبرز كان النفق الذي حفره الأسير تحت المبنى حيث يقع مكتبه وشقة فضل شاكر. وربط مصدر عسكري لـ«الأخبار» بين النفق وتمكن الأسير من الفرار. السيناريو الأوّلي المفترض لهروبه يقوم على أنه سلك النفق الذي أوصله إلى شارع فرعي يقود باتجاه أطراف عبرا لناحية وادي شرحبيل. ونقل المصدر عن شهود عيان أفادوا الجيش بأن الأسير شوهد عند حوالى الثانية من بعد ظهر الاثنين مع شقيقه أمجد ومساعده الشيخ أحمد الحريري وفضل شاكر وعدد من الكوادر والمسلحين يفرون سيراً على الأقدام بلباس عسكري بعد أن حلقوا ذقونهم.
لكن إلى أين المفر؟ تزدحم الشائعات حول مكان اختباء شاكر العبسي الجديد، إذ يروج بعضها أنه في طرابلس أو في عرسال أو في حمى النائبة بهية الحريري في مجدليون أو لدى الجماعة الإسلامية، فيما تتحدث شائعات أخرى عن احتمال وجوده في مخيم عين الحلوة في حمى المجموعات المتشددة التي فتحت جبهة التعمير بالتزامن مع اشتباك عبرا لمؤازرته ضد الجيش. مصادر مواكبة أكدت لـ«الأخبار» أن الأسير لم يكن ليغادر المنطقة إلا بمساعدة أطراف من خارجها، أمّنت له ممراً، مستفيدة من انشغال الجيش والمسلحين بالقتال وانتظرت وصوله إلى وادي شرحبيل لتقلّه إلى مخبأ آمن.
الموقوفون الأسيريون الذين فاقوا المئة وخمسين، قابلهم عدد من القتلى لم يحدد عددهم النهائي بعد بانتظار تمشيط كافة المباني والشقق. حتى مساء أمس، نقل الجيش من المربع إحدى عشرة جثة منذ بداية دخوله أول من أمس. الجثث التي وزعت على المستشفيات تعود لأحمد محمود الحريري وأحمد محمد الحريري وأحمد العر ويحيى الدقماق ومحمد حنقير والفلسطينيين محمد عثمان وعلي وحيد (مرافق الأسير) والسوري محمد بركات وابن شقيق فضل شاكر عبد الرحمن الشمندور (نجل أبو العبد) ومرافق فضل وليد البلباسي الذي استطاعت الوساطات مع الجيش قبل شهرين تنظيف ملفه الأمني بعد صدور مذكرة توقيف بحقه بحادثة هجوم الأسير على التعمير. أما الجثة الحادية عشرة التي عثر عليها مساء أمس، فلم يُتعرّف بداية على هويتها بسبب احتراق ملامحها. لكن كان لافتاً نعي اثنين من شبان صيدا وإطلاق وصف «الشهيد» عليهما، وهما علي الصياد ومحيي الدين قصابية اللذين دفنا في مقبرة سيروب ظهر أمس. ولفتت مصادر مواكبة إلى أنهما قتلا في معركة عبرا ونقلت جثتاهما قبل وصول الجيش إليهما. تشييع أمس أثار التساؤلات حول الشكل المرتقب لتشييع قتلى الأسير، لا سيما أن سبعة منهم صيداويون، أما الثلاثة الآخرون فيقيمون في المدينة. ولم تستطع الفعاليات والأجهزة الأمنية أمس تقدير المشهد، هل سيشيّعون مثل الصياد وقصابية بهدوء تام أم سيشكل تشييعهم مهرجاناً لمناصري الأسير والقوى السياسية الحليفة معه للهجوم على الجيش وحزب الله؟
وكان قائد الجيش العماد جان قهوجي قد تفقّد وحدات الجيش في عبرا وواكب عملية اقتحام المربع الأمني برفقة قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز. وبحسب بيان الجيش، فقد نوه قهوجي بتضحيات الجنود، داعياً إياهم إلى «مواصلة الإجراءات الأمنية لطمأنة المواطنين وترسيخ الاستقرار في المدينة وبذل أقصى الجهود لتسهيل عودة الأهالي المتضررين إلى منازلهم».