في ظل انشغال القوى السياسية والإسلامية ومناصريها بالتناحر السياسي، شُغل المواطنون العاديون في الإعداد للأيام المقبلة لوجستياً بسبب حالة الهلع التي انتابتهم، حتى باتت البلاد معطلة تنتظر «30 يونيو». شواهد هذا الهلع انعكست في سلوكيات عديدة، أبرزها الإقبال على تخزين السلع التموينية. الحاجة أم حسن بررت لـ«الأخبار» خروجها لثلاث أيام متتالية لشراء الخضر النظيف وكشاف كهرباء وأكياس من السكر بالخوف من أن «ثورة تانية تقوم زي 25 يناير ونتحبس في البيوت وكمان علشان رمضان داخل علينا، يوم 10 تموز، ودي حاجات ممكن ترفع الأسعار أكثر من دلوقتي والتجار يلجأوا لابتزاز الناس واستغلالهم». المتاجر الكبرى، ككارفور وفتح الله ومترو، شهدت موجة إقبال من الشراء تكاد تتجاوز ضعف ما تشهده في تلك الفترة من العام التي تسبق رمضان، بينما تحدث تجار الأجهزة الكهربائية في المنشية في الإسكندرية عن تزايد في الإقبال على البطاريات وكشافات الإنارة خوفاً من انقطاع يطول للكهرباء.
كذلك ذكر أصحاب محال أدوات الأمن الصناعي التي تبيع الأدوات الوقائية للمصانع والعمال، كقناع اللحام وأغطية الرأس المضادة للصدمات وأقنعة الغاز، أنه رغم ركود الحالة الاقتصادية للمصانع والورش، فإن الإقبال على مبيعاتهم كان في حالة انتعاش منذ منتصف الشهر، بسبب إقبال المواطنين العاديين عليها، لا سيما الشباب، وهو ما رصدته «الأخبار» من خلال الصحافيين والنشطاء الموجودين في المدينة، حيث أصبح السعي لاقتناء هذه الأدوات معهم أمراً أساسياً للتغطية الصحافية.
وفي المناطق المحيطة بالنقاط الحيوية والمتوقع وقوع اشتباكات فيها، استعد أهلها بكاميرات مراقبة وشركات أمن وحراسة ووضع أبواب حديدية على مداخل العمارات، فيما تهيّأ كثير من المواطنين لتأليف لجان شعبية لحماية ممتلكاتهم وبيوتهم مثل أيام الثورة الأولى التي حدث خلالها انفلات أمني.
وما يؤجّج حالتي الخوف والهلع هو حجم الشائعات والأكاذيب والتضليل، الذي يسود الفضاء الإعلامي والإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى بات المشهد في مصر يكشف أن الأفرقاء والخصوم أوقعوا أتباعهم ومناصريهم داخل دوامة ثلاثية التضليل: «فخ القابلية»، و«فساد الاستدلال» و«تجاهل السياق»: فكل طرف يعتمد أنه صنع «قابلية» لتصديق أي شيء عن الطرف الثاني، ومن ثم يستخدمها لإمرار «كذبه»، وهكذا بات الأنصار مهيئين لرجم «الآخر / الشيطان»، وباتت المعادلة «لنكذب فسنجد من يصدق»، وسنتجاهل «السياق» و«نمرر فكرة مغلوطة»، ونستخدم استدلالاً فاسداً، كي «نخلط الأمور ونزيد من شيطنة الآخر».
ومن هنا يصبح العنف «له شرعية»، وموبقات الأرض والسماء هي من نتاج «الخصوم» فقط، ويصبح «التبرير» غاية ووسيلة، ويصبح المخالف «خائناً»، وصاحب وجهة النظر الأخرى «عميلاً».