منذ أن أشارت تقارير إلى إمكانية انهيار سد الموصل – أكبر سدود العراق - بدأت المعلومات تتضارب بشأن حالة هذا السد، الذي أنشىء في ثمانينيات القرن الماضي. ولأن التحذير الأميركي الأخير، الذي كان أكثر حدّة، تزامن مع إرشادات أصدرتها الحكومة في بغداد، أشاع الأمر جواً من التوتر النابع من فكرة أن الخطر داهم، بالرغم من تطمينات حكومية رافقت عقد عمل أنجزته بغداد، قبل أكثر من شهر مع شركة إيطالية مختصة بإصلاح الخلل الموجود.
وعلى بعد أسابيع فقط من نجاح الحكومة العراقية بتهدئة الجدل إزاء وضع السد، أثارت «إرشادات» أصدرتها للمواطنين عن كيفية مواجهة المخاطر، المخاوف مجدداً، ولم يكن مقنعاً ورود وصف احتمالات الانهيار بالضعيف في التقرير ذاته الذي حمل هذه «الإرشادات». وما زاد من وقع المخاوف هو تقرير أصدرته السفارة الأميركية في بغداد عن احتمال تعرّض أكثر من مليون ونصف مليون شخص للموت، اذا لم تُتخذ «تدابير» مناسبة لمواجهة هذا الخطر.
ومع أنه لا يمكن استبعاد أن تتخذ واشنطن من هذا الملف نقطة ضغط سياسية على بغداد، لكن في المقابل ولّد التضارب الواضح في المعلومات عن حقيقة وضع السد غموضاً، أفسح المجال أمام شائعات شاركت فيها وسائل إعلام محلية.
مدير سد الموصل رياض النعيمي كرّر رفضه لأي تقرير يشير إلى انهيار قريب في السد. وقال في حديث لـ«الأخبار» إن «وضع سد الموصل آمن ولا يوجد ما يثير القلق في الوقت الحاضر، وهذا ما أكدته أجهزة متخصصة في فحص السدود». وأضاف أن «أجهزة تحسّس وضعتها وزارة الموارد المائية اتضح من خلالها بأنه لا يوجد أي خطر».
مدير سد الموصل كرّر رفضه لأي تقرير يشير إلى انهيار قريب

أما عن خطة الطوارئ، التي أعلنتها الحكومة قبل نحو أسبوع، فقد قال النعيمي إن «إعلان خطة طوارئ أمر طبيعي، ولا يعني أن السد سينهار، لكنها تمثل احترازات ضرورية وهي لتلافي أي حدث مفاجئ».
وكان بيان صادر عن المكتب الإعلامي لمجلس الوزراء العراقي قد دعا سكان المناطق المحاذية لنهر دجلة، وعلى وجه الخصوص في الموصل وصلاح الدين وبغداد، إلى الانتقال نحو المناطق المرتفعة والابتعاد ستة كيلومترات عن المناطق المحاذية للنهر. وبحسب البيان، فقد أوضحت الحكومة أنها «ستتخذ الإجراءات اللازمة، بموجب المسؤوليات المحدّدة لتأمين عدّة جوانب أبرزها الإبلاغ المبكر ولاسيما في الموصل والمناطق التي تليها تباعاً». وأشار البيان إلى «تهيئة مستلزمات ومتطلبات إسكان النازحين، وتأمين الجوانب الإنسانية وتسخير وسائل الإعلام والاتصالات للتوعية والتوجيه». وتوقع البيان أن «يضطر سكان بغداد إلى النزوح إذا وصل مستوى المياه إلى أقصاه في سد الموصل»، موضحاً أن «المدّة المتوقعة لوصول موجة الفيضان إلى تكريت من يوم واحد إلى يومين، والى بغداد بين ثلاثة إلى أربعة أيام، حيث سيصل ارتفاع الماء في مجرى النهر إلى عشرة أمتار».
ولوحظ في الفترة الأخيرة ارتفاع مناسيب المياه في بغداد التي يشطرها نهر دجلة شطرين، لكن وزارة الموارد المائية رفضت ربط هذا الارتفاع بمعلومات تشير إلى خطة حكومية تتضمن «تسريباً تدريجياً» للمياه المتجمعة في السد بغية تخفيف الضغط عليه.
من جهته، قال فلاح الأسدي، وهو رئيس الجامعة المستنصرية وعضو في لجنة تضم خبراء اطلعت على تقارير وزارة المواد، إن «هناك حملة إعلامية لها أهدافها»، مضيفاً أن «هذه الأهداف معروفة ونتيجة للشروح التي اطلعت عليها اللجنة، ليس هناك ما يشير إلى انهيار وشيك في السد». ووصف المخاوف التي تتحدث عنها تقارير إعلامية بأنها «حملات مغرضة تحاول أن تبيّن الوضع في السد خطر لأهداف سياسية».
وبعد يوم واحد فقط على بيان «الإرشادات» الحكومي، جددت السفارة الأميركية في بغداد تحذيرها من احتمال كبير لانهيار سد الموصل، وشددت على ضرورة إفراغه من المياه من أجل حماية نحو مليون ونصف مليون شخص من الخطر في حال تعرضه للانهيار. السفارة أوضحت في تقرير من أربع صفحات أن سد الموصل يواجه خطر إخفاق بنيوي كارثي شديد، وغير مسبوق وبفترة إنذار قصيرة، مشيرة إلى أن «المياه ستغمر بعض الأجزاء من بغداد، وقد تمتد لتشمل أيضاً مطار بغداد الدولي». وأضافت السفارة في بيان لها «ليس لدينا معلومات محددة تشير إلى الموعد الذي قد يحدث فيه خرق ببنية السد».
من جهة أخرى، أشارت معلومات حصلت عليها «الأخبار» من مصادر مقرّبة من الحكومة إلى أن «شركة تريفي الإيطالية، التي تعاقدت معها الحكومة، لم تباشر عملها حتى الآن». ولفتت هذه المصادر إلى أن «الشركة أبلغت الحكومة أنها ستبدأ بالعمل بعد نحو أربعة اشهر من الآن، وهذا لا يتوافق مع حجم المخاطر القائمة في السد».
ولم يجرِ التأكد من صحة هذه المعلومات من مصدر رسمي، لكن الخبير في شؤون السدود مثنى المزروعي تحدث عن «نيات سياسية» وراء الضغوط الأميركية على بغداد، وعدم مباشرة الشركة الإيطالية العمل حتى الآن. وقال لـ«الأخبار» إن «جسم السد لا يزال في مأمن بحسب ما جرى الاطلاع عليه من معلومات حكومية مؤكدة»، مضيفاً أن «هناك نيات سياسية لاستغلال ملف سد الموصل».
وعن طبيعة هذه الضغوط، أشار المزروعي إلى أنها تتعلق بالوجود العسكري في الموصل وملف تحريرها من «داعش»، مؤكداً أ، هذا الأمر «يعززه طلب الشركة جلب نحو أربعة آلاف جندي إيطالي لغرض حماية عملها».