قبل أن يقول جاد إن عمره عشرون عاماً، كان الظنّ أنه أصغر بكثير. ملامح وجهه، كما رهافة مشاعره وهو يروي ما رآه بعينيه، جعلته يبدو طفلاً في عيني المستمع إليه. لا ترغب إلا في احتضانه وهو يجاهد ليبدي تماسكاً، تفضحه خطوط حمراء راحت تغزو العينين عندما سئل كيف أمضى الليلة بعد عودته إلى المنزل. « أكيد ما نمت. كل الوقت عم شوف كوابيس».
هو الوحيد الذي يعترف بأن الكوابيس طاردته بعد تلك الليلة. الشبان، ممن هم في عمره، الذين تجمّعوا في ساحة بيصور، موقع الجريمة، جعلوا من السؤال مادة للمزاح. أما الأطفال، الذين لم تتجاوز أعمارهم الثالثة عشرة، فكانوا مبتسمين. يصيخون السمع إلى ما يروى، ثم يتهامسون فتتّسع ضحكاتهم.
بدا كأن الخجل من «التابو» الذي كسرته جريمة بتر العضو التناسلي لربيع الأحمد، انقلب ضحكاً غير مفهوم السبب لدى هؤلاء الصغار. تماماً كما لا يمكن فهم سبب وجود صور الشاب مصاباً على هواتف معظمهم، وخصوصاً أن اعترافهم بوجود الصور معهم يترافق مع تحذير «لا يمكنك أن تتحملي رؤية هذه الصورة». إذا كان الأمر كذلك، فماذا تفعل الصورة في هواتفكم؟ بل من وجد وقتاً ليصوّره وهو في هذا الوضع عوض إنقاذه؟
لا إجابات عن هذا السؤال. التبرؤ الجماعي من الجريمة لا يتفق مع وجود صور مماثلة على الهواتف. يستغرب رجل، كان جالساً في مكتب رئيس البلدية، لماذا نصدّق أن الصور التقطت في الساحة. «قد تكون التقطت في المستشفى». فيما يعلّق آخر «قد لا تكون صورته أصلاً. يمكن من خلال الإنترنت إيجاد الكثير من الصور وبثّها على أنها صورة ما حصل هنا».
الحدّة التي ينفي بها الرجلان قيام بعض أبناء البلدة بتصوير الضحية، يمكنها أن تكون مؤشراً صحياً للخطاب الذي اتفقت بيصور على الخروج به إلى اللبنانيين أمس بعد الصدمة التي عاشوها نتيجة الوحشية التي عومل بها ربيع الأحمد، السني الذي تزوج فتاة درزية خطيفة. «نحن نستنكر هذه الجريمة اللاإنسانية. هي لا تتفق مع عادات بيصور، ولا مع ثقافة الطائفة الدرزية. إنها حالة فردية» يقول رئيس البلدية وليد أبو حرب لـ«الأخبار». وبناءً على هذا الموقف، جرى تسليم كلّ من رواد وربيع ملاعب، شقيقي الفتاة، إلى القضاء. هناك سيقال كلّ شيء، وهناك أيضاً قد تحدث مفاجآت، يقول أحد أقارب الفتاة. الشاب الذي رفض الإجابة عما إذا كانت ردينة قد التحقت بربيع الأحمد بملء إرادتها. يؤكد أن المعلومات التي ستقال أمام القضاء ستكون مفاجئة. «يمكنني أن أقول لك الآن إنها كانت معنّفة، لقد غرّر بها واحتجز حريتها».
لكن من سيصدّق هذه الرواية بعد الذي حصل؟ نسأله فلا يجيب. نقول إن كلّ يوم تتأخر فيه ردينة عن الظهور سيكون سبباً للمزيد من الشك في صحة أي رواية قد تقدّمها لاحقاً فيهزّ رأسه ولا يعلّق.
ماذا عن الشائعات التي تحدّثت أمس عن مقتلها؟ ينفيها رئيس البلدية نفياً قاطعاً. ويقول إنها «خضعت لفحص طبيب شرعي وقد أعدّ تقريراً عن وضعها، وهذا يؤكد أنها بخير، وهي موجودة حالياً لدى أقاربها».
ابنة التاسعة عشرة بخير؟ لا أحد يعلم ما هو الخير الذي تعيش فيه اليوم. ولا ما هو الخير الذي تعيشه عائلتها المؤلفة من والدين وأربعة أولاد. الوالد يعمل مياوماً في نجارة الباطون، رواد الابن البكر في الجيش، وربيع كان لحاماً. أما ردينة فقليلون هم الذي يعرفونها، أو تحدّثوا معها. «هي فتاة خجولة. كنا نراها عندما تذهب إلى الجامعة، وعلمنا في الفترة الأخيرة أن شقيقيها منعاها من الخروج من البيت». ويوم الاثنين في 1 تموز الجاري، انتشر خبر اختفائها، عندما بدأ إخوتها يبحثون عنها ويسألون الجيران إن كانوا قد رأوها. لا يعرف محدّثونا متى تبلّغت العائلة، المؤلفة من فتاتين وشابين، أن ردينة تزوّجت. «منهم من يقول إنها اتصلت بأختها المتزوجة والتقتها بعد يومين، ومنهم من يقول إن إخوتها لم يعرفوا شيئاً عنها لمدة عشرة أيام. لكن الأكيد أن الشاب عذّبهم كثيراً قبل أن يعرفوا شيئاً عنه وعن مكانه».
كانت الصدمة قاسية على أهالي القرية كما العائلة. من جهة «لم توحِ ردينة يوماً بأنها يمكن أن تقوم بعمل مماثل بسبب هدوئها». ومن جهة ثانية «ما حصل سابقة. لطالما كانت الخطيفة بين شخصين من الطائفة (الدرزية) نفسها عندها يمكن إيجاد حلّ لها». حتى زواج فتاة درزية بشاب من طائفة مختلفة كان ممكناً «تتخلله صعوبات، لكنه يحدث وهناك حالات في بيصور، لكن لم يحدث يوماً أن ذهبت فتاة خطيفة مع شاب من طائفة أخرى. هذا ما لا يمكن تقبّله».
لا جدال في هذا الأمر، الذي يعني طبعاً بالنسبة إلى أهل البلدة أن العروسين أخطآ. كما لا جدال (لديهم) في أن الشاب أخطأ. فرغم كلّ ما تعرّض له، وهو مستنكر من قبلهم، يصعب أن تجد من يتعاطف معه. «أولاً هو يكبرها بعشرين عاماً وهذا يعني أنه غرّر بها». وهي نظرية قابلة للتصديق بالنسبة إليهم، إذا دعمتها رواية ثانية بدأت تنتشر وتفيد بأن الأحمد زوّر إخراج قيد وقدّم نفسه على أنه درزي من بلدة الجاهلية، وينتمي إلى عائلة بودياب، «وهي صدّقته». هكذا من المرجّح أن تنحو الرواية باتجاه القول إن ربيع الأحمد أوهم ردينة بأنه من طائفتها، أحبّته ووثقت به، إلى أن خطفها وتزوّجها بعقد زوّر فيه توقيع والدها، ما يجعله باطلاً.
بناءً على هذا السيناريو، يمكن للأمور أن تكون تحت السيطرة... قضائياً. لكن ما عاشته بيصور ليل الأحد ـــ الاثنين يصعب تجاوزه. هذا ما يكشفه حذر النسوة من الحديث معنا. منهنّ من تجيب من خلف الباب، ومنهن من تقف عند أعلى الدرج وتمنعنا من إكمال السير صعوداً لنحدّثها «أنا مشغولة. والشيخ مش هون».
أما من وافق على الحديث، فقد رفض ذكر اسمه. وحده جاد تحدّث باسمه الحقيقي. يروي أنه كان موجوداً في دكان والده الكائن في ساحة بيصور، على بعد أمتار من المفرق المؤدي إلى منزل عائلة ردينة. كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة مساء، عندما مرّ ربيع ملاعب بسيارته ودخل إلى المنزل، وقد لاحظ جاد أن ردينة كانت موجودة فيها، ومعها شاب. وبعد ربع ساعة تقريباً، خرج كلّ من ربيع ورواد وآخرين وكانوا يجرّون ربيع الأحمد، الغارق في دمائه، على ظهره وأوصلوه حتى الشجرة المزروعة أمام الدكان مباشرة. كان الأحمد لا يزال واعياً «لأنهم عندما كانوا يسحبونه، كان بنطاله ينزل فيعمد هو إلى رفعه. يبدو أنهم كانوا قد بتروا له عضوه قبل أن يسحبوه إلى الساحة»، فيما تشير روايات أخرى الى أن العضو بتر في الساحة.
محاولات الضحية رفع بنطاله كانت آخر ما استطاع القيام به. عندما رمي تحت الشجرة كان «النفس عم يطلع وينزل، بعدها تقيأ وكانت رائحة الكحول قوية جداً» يقول والد جاد الذي حضر إلى المكان بعد اتصال ابنه به.
ماذا كنتم تفعلون؟ ألم تحاولوا منعهم؟
حاولنا، لكن ربيع طلب من الجميع عدم التدخّل وقال لنا «لا علاقة لكم. هو آخدلي عرضي». وقد سُمع الشابان يقولان قبل أن يغادرا الساحة «نحن عرفنا كيف بدنا نتصرّف، تعوا شوفوا شو عملنا فيه».