كم مرة عالج القضاء جريمة سادية تتضمن «بتر إحليل» الضحية؟ لا أحد يذكر. المسألة غير مألوفة. حسناً كيف سيتعامل معها اليوم وهي تحمل أبعاداً دينية واجتماعية؟ بالتأكيد، ليس الحرج في أصل الفعل، الجرم، بقدر ما هو في الحيثيات المرافقة لهما، التي لا تبدأ من العائلة ولا تنتهي مع الطائفة.
آخر ما يتمناه قاض أن تُحال عليه قضية كهذه. فهنا لا يكفي النص لتحديد العقوبة، ومسرح الجريمة لبنان. بلد الحسابات والاتصالات والواسطات. البلد الذي إن كان فيه الجاني درزياً، مثلاً، فسيُفهم العقاب، ولو كان بالقانون، عقاباً لكل الدروز ومعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم. البلد ذاته إن كان فيه المجني عليه سُنيّاً، مثلاً، أو مسيحياً أو شيعياً، فستجد من هو على أهبة الاستعداد لزج الطائفة برمتها في الجرم. هكذا يتحوّل الجرم في ظل نظام «العشائر» الطائفية الى جرم «مبرر». ولكن هذه المرّة يأتي مصبوغاً برموز «الرجولة». لن تجد قاضياً يحب أن يرى ملفاً كهذا على مكتبه.
«الجناة سيُعاقبون حتماً. لقد أوقفنا اثنين منهم، من أشقاء الفتاة، وما زالت القوى الأمنية تبحث عن ثلاثة فارين أو متوارين عن الأنظار». هذا ما أكده القاضي المعني لـ«الأخبار». القاضي الذي بدا «مشمئزاً» من نوعية الجرم، ولكن مع ذلك «لازم نخفف وما نأجّج».
الفاعل من طائفة والمفعول به من طائفة أخرى، وبالتالي يصبح حتى القضاء يتحدث عن «ضرورة التهدئة». ذاكرة القاضي خالية من جرم مشابه، فتراه يقول: «يا حرام هالبلد لوين رايح». تخيّل مشهد التلذذ بالجرم، لا مجرد فعله، يدفع القاضي، ومعه كثيرون من اللبنانيين الذين يقيمون في بلاد الخوف، إلى الشعور بالصدمة من وصول هذا «الضيف الخبيث» إليهم. حتماً توجد لدى القضاء المئات، وربما الآلاف، من القضايا المؤرخة بسني الحرب الأهلية. تلك الحرب التي شهدت على فظاعات الإخوة بعضهم بحق بعض. لكن يُسجل اليوم أن ثمة سلوكاً، السادية أقل صفاته، آخذاً في الانتشار أخيراً في لبنان ومحيطه.
لن يكون مستغرباً تدخل مرجعيات سياسية لـ«ضبضبة» القضية، ولإجراء اتصالات مع القضاء ــ وذلك لعدم الذهاب بعيداً في القانون والعقاب. لكن القاضي المعني يؤكد أن هذا: «لن يحصل... أقله معي». القاضي هنا لا يمون إلا على نفسه، ولهذا يتحدث فقط عن نفسه، لأنه يعلم أن القاضي الزميل، أي قاض آخر، لا يمكن المراهنة على ثباته. هكذا هم قضاة لبنان، غالباً، في كل القضايا.
الرواية الأمنية لما حصل مع ربيع، ابن عكار، تبدأ مع بداية الشهر الجاري. قررت الفتاة أن تذهب معه «خطيفة». هو من مواليد عام 1974. أما هي فمن مواليد عام 1994. الفرق بينهما 20 عاماً. ربما حاول البعض اللعب على وتر هذا الفرق، لتبرير أذية الشاب بوحشية، لكن فاتهم أن الفتاة ليست قاصراً، بل عمرها 19 عاماً، وبالتالي لا ولاية لأحد عليها. طبعاً هذا في اعتبار شخصها أمام القانون، أما في عرف الطوائف ــ القبائل، فتلك حكاية أخرى. مسألة لا تمت إلى المدنية بصلة. يمكن أي أحد قول أي شيء، اليوم، باستثناء التماس العذر لفعل ــ جرم كهذا.
أهل الفتاة ذهبوا، بعد غياب ابنتهم، إلى مخفر سوق الغرب وتقدموا ببلاغ. لاحقاً، وبعد مضي أيام على بلاغهم، عرف أقارب الفتاة أنها موجودة مع الشاب الذي تزوجها، ويسكن معها في منطقة البوار. استطاعوا خداعه، وأقنعوه بأنهم يريدون «الصلحة»، فأتوا به إلى بلدة بيصور. ضربوه وعذبوه، ثم قطعوا إحليله، قبل أن يرموه في ساحة البلدة، وهو غارق في دمه وفاقد للوعي. اللافت، بحسب الأمنيين، أن العائلة التي ارتكبت الجرم «ليست من ذوي السوابق الجرمية».
الفعل كان، إذاً، رد فعل «هستيرياً»، أو هكذا يحاولون تصويره. لقد ابتدعوا سابقة فعلاً. كان لافتاً أن كثيرين من المعنيين بالتحقيق، من الرجال، كانوا يضحكون عندما يصل الحديث إلى لفظة «الإحليل».
أحد رجال الأمن، من المعنيين، قال: «هذه أبشع من جريمة قتل، لأن هذا الرجل الآن بلا إحليل، فهو بمثابة الميت، وبصراحة أخشى اليوم من رد فعله».
هذه نظرة لا تحتاج إلى تنظير، معروفة في الشرق، وربما في الغرب وإن بنسبة أقل. إذاً «لقد علّموا عليه». المجتمع هنا، للأسف، يحكم على رجل بالموت لمجرد فقد «عضوه». من قال إن مجتمعاً كهذا هو قدوة؟ تلك حكاية أخرى.
إلى ذلك، يُذكر أن الفعل الموصوف للجريمة المذكورة ينطبق على المادة 557 من قانون العقوبات، التي تتحدث عن عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة 10 سنوات على الأكثر، وذلك «لكل من أقدم قصداً على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه، وأدّى الفعل إلى قطع أو استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف، أو إلى تعطيل أحدهما أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل أو تسبب في إحداث تشويه جسيم، أو أية عاهة أخرى دائمة أو لها مظهر العاهة الدائمة». هكذا، لم يفت القانون ذكر «البتر». كذلك لا يرد فيه، هنا، أي تبرير أو تخفيف تحت حجّة «الشرف». نحن، بامتياز، أمام جريمة «بلا شرف».