أضافت توصية وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الـ28، بإدراجها ما عدّته «الجناح العسكري» لحزب الله في لائحة المنظمات الإرهابية، أسباباً جديدة إلى الانقسام الداخلي بين الحزب وخصومه، من غير أن توحي بصدمة، سواء في علاقة لبنان الرسمي بالاتحاد الأوروبي أو علاقة الاتحاد بحزب الله. وحتى ما قبل الكشف عن التوصية، كان المسؤولون الرسميون، في ضوء بضعة معطيات متوافرة لديهم، يتوقعون تريثاً أوروبياً يؤجل اتخاذها في الساعات الأخيرة.

شجعتهم على هذا الاعتقاد ملاحظات استقوها من مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت، أبرزها:
ـ عدم توافر إجماع بين دول الاتحاد على القرار، وأخصها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا واليونان لم تكن حتى نهاية الأسبوع الماضي متحمسة لهذه الخطوة.
ـ وجود أكثر من وجهة نظر بين حكومات بلدان الاتحاد توزعت بين قائل بإدراج الجناح العسكري لحزب الله، أو إدراج الحزب برمته، أو إدراج مسؤولين فيه في لائحة المنظمات الإرهابية. وحتى أول من أمس، تبعاً لما تبلغه المسؤولون الرسميون، لم يكن قد حُسم الجدل حيال أيٍّ من تلك الخيارات.
ـ رغم إعلان التوصية، فإن معلومات ديبلوماسية غربية تحدثت عن ميل بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى تفادي القطيعة مع حزب الله، وأشير إلى أكثر من محاولة اتصال توخاها بعض تلك البلدان مع الحزب بغية تقليل وطأة التوصية قبل أن تمسي قراراً.
ـ تبريرات مختلفة أبرزها سفراء أوروبيون لمسؤولين رسميين في الأيام الأخيرة، عزا بعضهم اندفاع الاتحاد الأوروبي إلى ضغوط بعضها أميركي، والبعض الآخر إسرائيلي، وإلى مصالح أساسية حملت حكومات دول في الاتحاد على تأييد الطلب البريطاني بإدراج الجناح العسكري للحزب في لائحة المنظمات الإرهابية. كان بعض ما سمعه المسؤولون من السفراء، قبل صدور القرار، أن تداعياته قد تكون أقل وطأة إذا تفهّم الحزب مبرراته وأخذها في الاعتبار.
لكن التقويم الذي أجراه المسؤولون في الساعات التالية لصدور التوصية تناول المعطيات الآتية:
1 ـ لا يعدو تمييز الجناح العسكري عن الجناح السياسي في حزب الله إلا ضرباً من الوهم حيال حزب أعطى الجناح العسكري شهرته له، ومثل العمود الفقري لدوره وحضوره من خلال تركيزه على المقاومة وتمسكه بسلاحه ونظرته إلى ديمومة مهمته المرتبطة باستمرار التهديد الإسرائيلي للجنوب ولبنان. كلاهما توأمان يجعل من المستحيل فصل أحدهما عن الآخر. والأصح أن وزراء ونواباً في الحزب أرسلوا قبل شهرين أبناءهم إلى القصير للمشاركة في الحرب مع نظام الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه المسلحين، وبينهم أبناء جرحوا في هذه الحرب. وهو مؤشر يزيل أي إبهام وغموض في تشابك علاقة أحدهما بالآخر. بل يعتبر الحزب أنه اكتسب هيبته واحترامه وتهيّبه أمام الغرب، وكذلك كراهية كنّها بعض الغرب، من قوته التي استمدها من ترسانة أسلحته وتهديده إسرائيل.
2 ـ أتت توصية الاتحاد الأوروبي في توقيت ملتبس بعدما أفسح حزب الله في المجال أكثر من مرة لاتخاذ قرار كهذا يدين تنظيمه، وخصوصاً بعد حرب 2006. مع ذلك أحجم الاتحاد الأوروبي عنه. كانت سفارة بريطانيا في بيروت قد سارعت بعد حرب تموز إلى فتح حوار مع مَن سمته الجناح السياسي للحزب والتقت نواباً منه، ثم انقطع الحوار فجأة، ودرج مذ ذاك تمييز جناح عسكري عن جناح سياسي في حزب لا يفصل بينهما ويراهما واحداً.
3 ـ يبدو من غير المنطقي الاعتقاد بأن قراراً كهذا، يقتدي بموقف مماثل لمجلس التعاون الخليجي نعت الحزب برمته منظمة إرهابية على أثر دوره في سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد على القصير، من شأنه ثنيه عن التدخّل العسكري هناك. لم يحرك موقف مجلس التعاون والتشهير الذي تعرض له حزب الله من حكوماته ساكناً في موقفه من سوريا، وربط المنطقة الوسطى بالبقاع الشمالي، وقد عدّ الحزب تدخله في الحرب السورية تطوراً إيجابياً لمصلحة الأسد في تعديل موازين القوى العسكرية كان النظام يحتاج إليه في القصير.
ما كان يحتاج إليه الرئيس السوري في حزب الله ليس عديده ومقاتليه ولا أسلحته، وإنما خبرته في حرب شوارع لم يسبق أن خبرها الجيش السوري الذي لم يشهد على مرّ أنظمته المتعاقبة حروباً أهلية، ولا تمرّس في قتال شوارع اعتاده الحزب وتمرس عليه في الاجتياحات الإسرائيلية المتتالية أعوام 1993 و 1996 و 2006. كانت هذه وظيفة مقاتلي الحزب في القصير وريف حمص.
4 ـ توخى فصل الجناح السياسي عن الجناح العسكري عدم تحميل الحكومة اللبنانية، المستقيلة والمرشحة للتأليف، وزر توصية الاتحاد الأوروبي. كان مسؤولون ووزراء لبنانيون قد سمعوا من سفراء أوروبيين في الأسبوعين المنصرمين، عندما ارتفعت نبرة التلويح بقرار الإدراج، أن بلدانهم تعرف تماماً أن لبنان حلقة ضعيفة في استقرار المنطقة لا يرغبون في كسرها. وهم لا يرون في حماسة حكوماتهم لإدراج حزب الله في لائحة المنظمات الإرهابية محاولة تقويض هذا الاستقرار، بل الأخذ في الاعتبار تقويمهم للدور السلبي الذي يضطلع به في لبنان وخارجه.
خاطب أحد سفراء المجموعة الأوروبية مسؤولاً رسمياً بالقول إنه يأمل من الضغوط التي يمارسها الاتحاد أن يمتنع حزب الله عن الاستمرار في الحرب السورية والعودة إلى «إعلان بعبدا» الذي يمثل مرتكزاً رئيسياً للاستقرار الداخلي.
5 ـ رغم عدم تيقنهم من الإجراءات الملازمة للتوصية ما إن تصبح قراراً وسبل تطبيقها وتداعياتها على المؤسسات اللبنانية بعدما أُشيع عن تدابير نقدية وتقييد حرية التنقل والمراقبة والتعامل التجاري والمالي تطاول المعنيين في الجناح العسكري ـ ولما يزل هؤلاء وكانوا دائماً سر الحزب ـ يتوجس المسؤولون اللبنانيون من انعكاس القرار على الأسلاك العسكرية والمساعدات التي تقدمها دول الاتحاد الأوروبي للجيش وقوى الأمن الداخلي بالتسليح والمساعدات التقنية والأعتدة والتجهيزات والدورات العسكرية ودورات التدريب التي يخضع لها ضباط الجيش وقوى الأمن، بذريعة باتت أكثر من مبررة أخيراً في حجج الاتحاد الأوروبي. وهي انتقال هذه المعدات والمساعدات إلى الجناح «الإرهابي» في حزب الله تحت وطأة تأثيره في الداخل ونفوذه المتشعب داخل السلطة والحكم.