محمد البراهمي (٥٧ عاماً) الذي اغتيل أول من أمس في تونس، هو من أبرز القيادات الجديدة التي ظهرت بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، قتلته مواقفه الجريئة التي وصلت الى ذروتها في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد إعلانه عن تأسيس التيار الشعبي الذي قال عنه إنه «سيعمل على مزيد من رص صفوف القوى الوطنية من أجل تصحيح مسار ثورة الحرية والكرامة». ولعل أبرز ما قاله على صعيد المواجهة بين المعارضة والإسلاميين، كان رده على رئيس كتلة النهضة في المجلس التأسيسي الصحبي عتيق، الذي توعّد الشعب التونسي «باستباحته في الشوارع»، قائلاً «يهم التيار الشعبي أن يعلن عن إدانته الشديدة لمثل هذه التصريحات التي تُعبّر عن نزوع عدواني مرضي لدى بعض قيادات هذا الحزب».
لقد رفض الشهيد الناصري كل «مخططات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، المسربة أخيراً عن مؤتمرهم الطارئ في تركيا». كما أعلن أن «التيار الشعبي يقف إلى جانب ثورة الثلاثين من حزيران في مصر ويحيي الدور الوطني للجيش المصري». واعتبر في مداخلاته العديدة التي كان آخرها قبل يوم من اغتياله في مدينة صفاقس (العاصمة الثانية للبلاد)، أن «النهضة والإخوان المسلمين في العالم ليسوا إلا خدماً للمشروع الإمبريالي الصهيوني الذي يهدف إلى تقسيم الوطن العربي إلى دويلات»، مشدداً في إحدى جلسات المجلس الوطني التأسيسي، على أن «ثورة حزيران في مصر، التي انحاز لها الجيش، هي ثورة قادها أحفاد عبدالناصر ضد أحفاد الإخوان الذين حاربوا الزعيم الخالد، وحاربوا مشروعه وحاولوا اغتياله».
كذلك، اعتبر في اجتماع مع أنصاره في مدينة صفاقس بمناسبة احتفال «التيار الشعبي ــ تحت التأسيس» في ذكرى ثورة يوليو ١٩٥٢، أن «الوطن العربي يشهد مؤامرة يقودها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين المدعوم من الإمبريالية وقوى الاستعمار العالمي والصهيونية من أجل تدمير سوريا».
ورأى أن «النهضة» هي المسؤولة عن تنفيذ هذا المشروع في تونس، عن طريق تجنيد الشبان للقتال في سوريا، وبإغراق البلاد في الديون، وبتغيير نمط المجتمع وتشجيع الدعاة المتطرفين، وغض البصر عن انتشار السلاح.
واكد المناضل التونسي في هذا الاجتماع أن «حركة النهضة ستسقط كما سقط الإخوان في مصر، وان الشعب التونسي قادر على تصحيح مسار ثورته وقادر على حل المجلس التأسيسي، وإقالة الحكومة وتحقيق الأهداف التي ثار من أجلها المُهمّشون».
واعتبر أن «سوريا تتعرض إلى مؤامرة أميركية صهيونية بتمويل عربي خليجي»، وان «حركة النهضة و(الرئيس المؤقت المنصف) المرزوقي هما وكلاء هذه المؤامرة في تونس التي زجت بمئات الشبان التونسيين ووظفتهم لخدمة المشروع الصهيوني». واضاف البراهمي في تصريح اذاعي منذ نحو اسبوع أن «النهضة هي ذراع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين المتحالف مع الصهيونية العالمية لتخريب سوريا والقضاء على المقاومة في فلسطين ولبنان».
على المستوى الداخلي، عارض البراهمي الطريقة التي تم بها اختيار الهيئة المستقلة للانتخابات واعتبرها قائمة على المحاصصة، وعارض مشروع قانون تحصين الثورة الذي قال انه يستهدف خصماً سياسياً وهو أنصار النظام السابق، ومن أجل تحصين موقع النهضة في الحكم وتأبيده.
وعرف البراهمي بمعارضته لفتح البلاد أمام دعاة الخليج الوهابيين والتجارة بالدين. وعارض النموذج الاقتصادي والاجتماعي لحركة النهضة، التي اتهمها باختراق حركة الشعب. الحركة التي اضطر إلى الانسحاب منها مع عدد من أنصاره بسبب الاختلاف حول الانضمام إلى الجبهة الشعبية. وفي تصريح إذاعي قبل أسبوع تقريباً، قال البراهمي إن «وزيراً نافذاً في الحكومة قال له إن حركة الشعب سيكون مآلها الاندثار لو أصرّت على الالتحاق بالجبهة الشعبية». كما لم يُخف رفضه انضمام أحد رموز التيار القومي التقدمي القريب من حركة الشعب سالم الأبيض، إلى الحكومة كوزير تربية.
والبراهمي أب لخمسة أبناء وينحدر من قرية حشانة في محافظة سيدي بوزيد، وهي من بين المناطق التونسية المعروفة باحتضانها لأجيال من القوميين منذ اليوسفيين الذين انشقوا عن الزعيم الحبيب بورقيبة وصولاً إلى التيار الشعبي الذي أسسه الشهيد قبل أسبوعين تقريباً. منذ شبابه المبكر كان البراهمي زعيماً في الحركة الطلابية إذ كان من مؤسسي التيار القومي التقدمي وجناحه الطلابي «الطلبة العرب التقدميون الوحديون». كان ناطقاً باسمه طيلة سنواته الجامعية. وبعد تخرجه من المعهد العالي للتصرف سنة ١٩٨١، حافظ البراهمي على موقعه كقيادي في التيار القومي التقدمي الذي اتخذ من «نظرية الثورة العربية» لعصمت سيف الدولة والتجربة الناصرية مرجعيته الفكرية، مع اختيار القطيعة السياسية والتنظيمية مع النظام والعمل على تأسيس الحركة العربية الواحدة التي تحقق أحلام الشعب العربي من المحيط إلى الخليج في الوحدة والحرية والاشتراكية. والبراهمي له عشق صوفي لجمال عبدالناصر، فقد عُرِف بنزاهته وصفائه وصلابة مواقفه وتم اعتقاله في مناسبتين بسبب نشاطه السياسي في ١٩٨١ و١٩٨٦.
تنقّل بين مجموعة من الوظائف في إطار اختصاصه كخبير محاسبة وعمل في السعودية، وأدى فريضة الحج أربع مرات. عُرِف بتديّنه الشديد إلى حد أن التصق به لقب «الحاج». وبعد تعليق نشاط التيار القومي التقدمي بسبب اشتداد القبضة الأمنية لنظام بن علي، اكتفى البراهمي بالصمت.