صنعاء | تفاقمت الأزمة الإنسانية على صعيد انعدام الأمن الغذائي بعد تراجع الإنتاج المحلي والنشاط التجاري وتعطُّل الخدمات العامة الحكومية، نتيجة تدمير طيران التحالف السعودي للبنية التحتية العامة والخاصة وفقدان الملايين من اليمنيين فرص أعمالهم، الأمر الذي أسهم بتردّي الأوضاع المعيشية للملايين من المواطنين، وعرّض شرائح واسعة لخطر الجوع.
وأسهم استمرار الحصار ومواصلة «التحالف» فرض القيود على الواردات بارتفاع أسعار الوقود والسلع الأساسية، على الرغم من أن الواردات من السلع الغذائية الأساسية والتجارة تحسنت نسبياً خلال الأشهر الماضية، كذلك حال استمرار الصراع في عدد من المحافظات دون تمكن التجار من نقل البضائع إلى العديد من مناطق البلاد. وما ضاعف من تعميق مشاكل الفقر والبطالة، هو التدمير الممنهج للبنية التحتية العامة والخاصة الذي أدى إلى صرف الملايين من أعمالهم نتيجة الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بالشركات الخاصة، إضافة إلى أن إغلاق برامج شبكات الأمان الاجتماعي وتعليق برامج التنمية المختلفة المدعومة من الجهات المانحة أضرّ بأكثر من 2.5 مليون شخص.
وأشار تقرير حديث صادر عن منظمة الزراعة والأغذية «الفاو» في العاصمة صنعاء، إلى أن تصاعد الصراع سبّب ارتفاعاً في عدد السكان الذين يعيشون في ظروف معيشية متردية إلى 55.6% من إجمالي السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة، مؤكداً أن 14.4 مليون نسمة في البلاد يعانون انعدام الأمن الغذائي، ومن بينهم يعاني 7.6 ملايين نسمة انعدام الأمن الغذائي الشديد، أي أعلى بنسبة 23% بالمقارنة مع النسبة التي أظهرها التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الصادر عن المنظمة في حزيران 2015.
«الفاو» في تقريرها كشفت عن دخول عشر محافظات يمنية ضمن مرحلة الطوارئ في انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق التقويم الطارئ للأمن الغذائي والتغذية. وأشارت إلى أن الأزمة الإنسانية ستزداد تدهوراً إن لم تصل الاستجابة الإنسانية بصورة عاجلة إلى السكان المتضررين. وأشارت إلى أن توقعات الأمن الغذائي والتغذية لعام 2016 ما زالت مثيرة للقلق، وهو يلزم المنظمات الدولية مواصلة الجهود لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المتضررين من خلال الإنعاش المبكر.
اتهمت الفاو «التحالف» بفرض قيود على حركة صيد الأسماك

وأشار التقرير إلى انخفاض إنتاج المحاصيل الإنتاجية بسبب تأخر موسم الأمطار من جهة، وارتفاع أسعار الوقود واستمرار الصراع في العديد من المناطق المتضررة بالصراع في تعز، صعدة، حجة، إب، الضالع، لحج، البيضاء وشبوة من عدم تمكن المزارعين من القيام بالممارسات الزراعية العادية، ما أثر سلباً في الإنتاج. وأشارت «الفاو» إلى انخفاض الإنتاج الزراعي للذرة الرفيعة والدخن والذرة الشامية والشعير، التي تمثل الإنتاج المحلي الرئيسي للحبوب، العام الماضي بنسبة 30 – 35%.
واتهم التقرير قوات «التحالف» بفرض قيود على حركة صيد الأسماك في السواحل اليمنية، وباستهداف قوارب الصيد، خصوصاً في محافظات الحديدة وتعز وحجة. نتيجة لكل ذلك، توقفت أغلبية خدمات قطاع الأسماك، وفقاً للفاو فقد 65% من الصيادين سبل عيشهم، بالإضافة إلى 650,000 من العمال العرضيين العاملين في التعبئة والتخزين والنقل، وذلك بسبب الصراع. وأشار إلى أن هناك أنشطة الصيد غير المرخصة وغير القانونية تستغل حالة الصراع والفراغ، وقد حذرت وزارة الثروة السمكية من اتخاذ إجراءات قانونية ضد الصيد غير المشروع والاتجار بها للأفراد والشركات.
ولفتت المنظمة إلى أن ندرة وارتفاع تكلفة الوقود وانعدام الأمن في المحافظات الساحلية أثرت كثيراً في الصيد، وخفضت كثيراً كمية الصيد السمكي والعرض في جميع أسواق المحافظات الوسطى والساحلية، وأكدت انخفاض الصيد التقليدي بنسبة 75% في تعز والحديدة، فيما بلغ الانخفاض في المحافظات الأخرى ما يقرب من 50% مقارنة مع عام 2014، وأفاد تقرير الفاو بأن الحصار والعدوان سبّبا فقدان 50% من الصيادين لسبل العيش والدخل والأمن الغذائي، وأوضحت أن الصيد التجاري الذي كان ينتج أكثر من 600 طن في اليوم الواحد قبل تفاقم الأزمة تضرر كثيراً، وبالمثل انخفضت صادرات الأسماك بنحو ملحوظ بسبب إغلاق منافذ الشاطئ ومنافذ وموانئ التصدير باستثناء كميات بسيطة لا تذكر نُقلت بواسطة الشاحنات والحاويات من المهرة إلى عمان.
وأكدت الفاو تعرض قطاع إنتاج الدواجن لانتكاسة خطيرة وفقدان للدواجن منذ آذار 2015، بسبب الاستهداف المباشر من قبل «التحالف» لمزارع الدواجن التي تعد أحد مكونات الأمن الغذائي اليمني. وأفادت بأن إنتاج هذا القطاع انخفض بنسبة 60% في مناطق الصراعات وانخفض بنحو 25% في مناطق أخرى، نظراً إلى زيادة أسعار المدخلات وغياب الطاقة الكهربائية وشحة الوقود والضغوط الاقتصادية الأخرى على إنتاج الدواجن.
وفيما أشار التقرير إلى تحسن الوفرة التموينية في الأسواق المحلية نسبياً بالمقارنة مع العرض والأسعار التي سجلت خلال الأشهر الستة الماضية، أشار أيضاً إلى أن الأسعار ما زالت أعلى بكثير مما كانت عليه قبل الأزمة. ووفقاً للفاو، ارتفع متوسط سعر القمح والدقيق نحو 20 ــ 23%، مقارنةً مع ما قبل الأزمة، وسجلت أقصى زيادة في الأسعار في حزيران 2015، حيث بلغت الزيادة 34 و38% بالنسبة إلى القمح والدقيق على التوالي. وفيما تظهر أسعار القمح ودقيق القمح انخفاضاً مستمراً، لا تزال أعلى بنسبة 11 و14% على التوالي مما قبل الأزمة.
وفي ما له علاقة بأسعار البنزين والديزل، أكد التقرير ارتفاع متوسط أسعارها في الأسواق اليمنية بنسبة 197% و159% على التوالي، مقارنة بما قبل الأزمة ولا تزال الأسعار في الأسواق الموازية مرتفعة جداً، فيما القنوات الرسمية لبيع الوقود وغاز الطهو محدودة، وهو ما جعل المشتقات النفطية تحت السيطرة الكاملة لأسعار السوق الموازية.