عكار | لم ينتظر ياسين علي جعفر انتهاء مساعي الصلح بين آل جعفر وأهل أكروم. في أول أيام عيد الفطر، حط نجل النائب السابق علي حمد جعفر في منزل أكرومي بشكل مفاجئ. من دون مقدّمات، توجه إلى أهالي أكروم بعبارة موجزة، لكن حاسمة: إما أعود محمّلاً (مقتولاً) أو حاملاً مشروع الصلح النهائي بين المنطقتين الجارتين.
سنة عاصفة، مرت أيامها ثقيلة على أهالي المنطقتين بعد مقتل أحمد بري أحد أبناء أكروم أمام منزل شخص من آل جعفر في حادثة متصلة بالأحداث السورية. وراحت الأمور تتعقد على خلفية تباين مواقف أبناء المنطقتين إزاء هذه الأحداث، وبلغت ذروتها في معارك القصير. ولم تثمر مساعي الصلح التي تُوّجت بلقاءين كبيرين، أحدهما في أكروم والآخر في سهلات المي في الهرمل في شباط الماضي بحضور النائب السابق وجيه البعريني، ومنسق تيار المستقبل في دريب عكار خالد طه، ورئيس دائرة أوقاف عكار مالك جديدة، وحشد من فاعليات المنطقتين. وقد ساهم اللقاءان في تبريد المواقف، لكن الوعد بإنهاء الأزمة وإبرام الصلح خلال أيام أو أسابيع لم يتحقق.
امتدت الأزمة بين أكروم وبيت جعفر سنة بكاملها، وهو أمر لم يحصل مثيله منذ المصالحة الشهيرة في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، التي أعقبت نزاعاً دامياً في ستينيات القرن الماضي، واحتشدت فيه عشائر الهرمل دعماً لآل جعفر مقابل وقوف قرى وبلدات عكارية إلى جانب أكروم.
ولكن، بحسب الأعراف العشائرية والعائلية السائدة على امتداد المناطق العكارية المجاورة للهرمل، بدءاً من وادي خالد وأكروم مروراً بالقبيات وعندقت ووصولاً إلى فنيدق، كان لا بد من أن تؤتي الخطوة التي أقدم عليها جعفر ثمارها الإيجابية، خصوصاً أن الأخير يتمتع بحصانة شارك في صنع بعضها وورث بعضها الآخر عن والده، في سياق مصالحات عشائرية استعصت على غيرهما، وقد بلغ عددها الاثنين بعد المئة. وأكّد ياسين جعفر لـ«الأخبار» أن «آل جعفر مع الجيرة على امتداد عكار والشمال. ومهما حصل سنبقى بيتاً واحداً وعائلة واحدة، ولن تأخذنا الأهواء والمذاهب والطوائف، يجمعنا حب الوطن ولا يفرقنا سوى الموت».
لدى آل جعفر رغبة جامحة في إبرام الصلح، إذ لا حاجة لهم بفتح معارك جانبية من ناحية أكروم وعكار عموماً، بخاصة في ظل ما تشهده ساحة انتشارهم من خطف متبادل مع أهالي عرسال، ومن امتدادات مباشرة للاحداث السورية. لكن على الصعيد الأكرومي لم يكن وقع الصلح متساوياً لدى الجميع، لا سيما أن التحشيد المذهبي أحدث مفاعيله إلى حد كبير. فلم تمضِ ساعات على تردد صدى الصلح المعهود حتى كانت بعض الجدران يمتلئ بعبارات شاجبة «صلح العار، صلح الذل، صلح المصالح، صلح الشبيحة»، الأمر الذي جعل وجوه الجبل يعكفون على إعادة تصويب الأمر ووضعه في إطار حقن الدماء وتجنب الأسوأ. وفي الكواليس تدور نقاشات محمومة حول الدور الذي أداه تيار المستقبل وسط جمهوره مقابل دور حزب الله. ففي حين يتولى الأخير رعاية جمهوره من «طأطأ حتى السلام عليكم، كنا نتمنى أن نسمع من تيار المستقبل عبارة العوض بسلامتكم»، بحسب وجيه أكرومي. ويمتد حبل الانتقاد والتندر على سلوك التيار لا سيما في مجال تراجع الخدمات ليصل الأمر حدود اعتبار أن مجمل ما قدِّم لم يتجاوز مجرد منافع لأشخاص محددين دون سواهم من العموم.
وبرغم شيوع الانتقاد الموجه لتيار المستقبل، لم يستسغ أهالي أكروم البدائل المطروحة من حالات متطرفة، باسم الدفاع عن الدين والطائفة. فخلال احتدام معارك القصير، عبرت مجموعات مسلحة أراضي أكروم باتجاه سوريا، ليرد الجيش السوري بإطلاق بعض القذائف المدفعية على المناطق الحدودية، فما كان من وجهاء الجبل إلا أن توجهوا لمقابلة قادة المجموعات المسلحة في طرابلس، وأبلغوهم رفضهم عبور أي مسلح من أراضيهم نحو سوريا. ولدى توتر الوضع الأمني بين أكروم وآل جعفر، خشي وجهاء الجبل أن يؤدي دخول أطراف خارجية على خط النزاع إلى انفلات الأمور، وعدم تحكمهم بمسار الأحداث. ومن ناحية أخرى، يرى أبناء المنطقتين أن استمرار حالة الاحتقان من شأنه أن يحول أي حادثة فردية عابرة إلى أزمة مفتوحة، وهو ما يتوجسون منه شراً، خصوصاً أبناء أكروم الذين ينتشرون في المؤسسات الأمنية والعسكرية في أرجاء البلاد كافة.
استدعت زيارة ياسين علي جعفر إلى أكروم ومكوثه في أحد منازلها طالباً إنهاء القضية، اجتماع أعيان مختلف قرى وبلدات الجبل، وخرجوا على اثر الاجتماع بتشكيل وفد رافق جعفر إلى الهرمل، حيث استقبلهم جمهور حاشد من المنطقة، واتفقوا على إبرام الصلح، على أن يتم ذلك بشكل رسمي في الثامن عشر من الشهر الجاري بإشراف ورعاية فاعليات عكار والهرمل التي كانت لها مبادرتها في هذا المجال في شباط الماضي.
تداعيات الصلح بين آل جعفر وأكروم تتخطى الفريقين المعنيين مباشرة. فأكروم الواقعة على الحدود السورية، تشكل أيضاً عقدة تواصل بين أطياف طائفية ومذهبية وسياسية متنوعة، وعرف عن أهلها خلال الحرب الأهلية حرصهم على العلاقات الأهلية لا سيما لناحية القبيات وعندقت. كما ان لآل جعفر حدوداً مشتركة ومصالح مشتركة، إضافة إلى أكروم، مع كل من عكار العتيقة وفنيدق والقبيات وسائر البلدات العكارية، إذ تشكل المناطق المذكورة مدخلهم الطبيعي إلى كل مناطق الشمال اللبناني.