سبع سنوات على مرجعيون. مرجعيون تلك التي تؤلم في الذاكرة، في عزّ حرب تموز 2006، حين وزّع جنودٌ لبنانيون بأمرٍ من وزير الداخلية والبلديات وقتها أحمد فتفت، الشاي على جنود الجيش الإسرائيلي المهزوم في الخارج، خارج الثكنة. بين سير الضنية ومرجعيون أكثر من قاسم مشترك، أبرزها «بطل» كرتوني هو فتفت نفسه، الذي وقف مع عائلته قبل أيام في إشكال «ضيعاوي» بين عائلتين، وجال بين المسلحين، وساعد على تأخير الصلحة بين آل فتفت وآل علم. طبعاً، هذا هو السلاح الذي يحبّذه فتفت، في القرى وبين أبناء البلدة الواحدة، وهو غير ذلك السلاح الذي لا يحبّذه فتفت، وهو السلاح الذي يقتل الجنود المحتلين الذين يحبّون الشاي.
ليل الأربعاء الماضي، اليوم الأخير من شهر رمضان، تطوّر إشكال بسيط بين شاب من آل فتفت وآخر من آل علم، وهما دون العشرين من عمرهما، إلى توتر أمني أشبه بحرب أهلية صغيرة. في غضون ساعات قليلة، أطلق ع. علم الرصاص من مسدسه الحربي على هـ. فتفت، ما أدى إلى إصابته في قدمه، ما جعل أقرباء الأخير يستنفرون في الأحياء التي يقيمون فيها وفي ساحة البلدة الرئيسية، مدججين بالأسلحة الفردية التي لا تطاول إسرائيل، والتي لا يعارضها نائب قضاء الضنية ــ المنية وابن البلدة. وما لبث ن. علم أن مرّ في الساحة، حتى أطلق خ. فتفت النار من بندقيته على قدمي الرجل، فأصابه بطلقتين. وطبعاً، ن. علم السبعيني المريض، كان ماراً بالصدفة من الساحة، وهو أحد وجهاء عائلته، وبحسب مصادر البلدة، فإن الرجل لا علاقة له بالإشكال، لا من قريب ولا من بعيد.
إطلاق النار أشاع الهلع في البلدة، ودفع المصطافين إلى المغادرة عشية عيد الفطر، ودفع الجيش اللبناني إلى التدخل وإرسال تعزيزات إلى سير الضنية لإعادة الاستقرار.
لم ينته الأمر هنا. أحبّ فتفت، الذي نادراً ما يؤدي صلاةً في مسجد البلدة، أن يؤدي صلاة العيد في بلدته، كأن شيئاً لم يكن. ولأجل فتفت، نشرت العائلة مسلحيها في البلدة، فواكبت البنادق بطل مرجعيون على طول الطريق إلى المسجد، ما دفع عدداً كبيراً من المصلين من أهالي البلدة إلى التوجّه نحو مساجد أخرى في البلدات المجاورة.
لم تقف لجنة الصلح في الضنية وفاعليات سياسية ودينية واجتماعية مكتوفة الأيدي. أجرى الوجهاء اتصالات لاحتواء الإشكال، وخطوات بهدف تبريد الأجواء، مثل تسليم مطلقي النار أنفسهم للقوى الأمنية. واستجابةً لمساعي اللجنة واتصالات من النائب السابق جهاد الصمد مع آل علم، سلّم ع. علم نفسه للأجهزة الأمنية، فيما رفض آل فتفت مساعي اللجنة، التي أبلغها النائب بأن تسليم خ. فتفت لن يحصل قبل تسليم آخرين من آل علم، بحسب مصادر من اللجنة.
وأشارت المصادر لـ«الأخبار» إلى أن آل علم «قاموا بالمطلوب لوأد الفتنة في البلدة، علماً بأن وضع ن. علم الصحي حرج جداً، وأن المطلوب هو تعاون آل فتفت». وفي الوقت نفسه، لا تخفي المصادر استياءها من «طريقة تعامل النائب فتفت مع الإشكال، وتصرفه اللامسؤول حياله؛ إذ كيف يقوم من يعلن دائماً رفضه وجود سلاح غير سلاح الشرعية والدولة، وينتقد حزب السلاح كل يوم، باستعراض مسلح في بلدته، ويرفع السلاح في وجه أهله وجيرانه؟».
مسألة التوتر بين العائلتين ليست جديدة؛ إذ إن التنافس على الزعامة المحلية في المركز الإداري في قضاء الضنية يعود إلى سنوات سابقة، ورافقته حالات مدّ وجزر من العلاقات بين العائلتين. إلّا أن عام 2010 كان محطّة؛ فقد تمكّن أحمد علم، بالتحالف مع عائلات أخرى في البلدة، من اكتساح الانتخابات البلدية على حساب اللائحة المدعومة من النائب فتفت وتيار المستقبل، وفازت لائحته بـ14 عضواً من أصل 15، بفارق لافت في الأصوات. شكلت تلك الانتخابات «عقدة» بالنسبة إلى النائب «الأزرق»، ما دفعه إلى القيام آنذاك بعمل استعراضي أعلن فيه «استقالته» من تيار المستقبل، قبل أن يتراجع عنها بعد اتصال تلقاه من الرئيس سعد الحريري.
طوى فتفت الاستقالة، لكن «غصّة» خسارة انتخابات محلية لم تفارقه، وزاد عليها أنه كان يرى بأمّ عينه كيف أن علم حوّل البلدية إلى «خلية نحل»، وأنجز خلال 3 أعوام من مشاريع تنموية في البلدة، ما لم ينجزه فتفت في نيابته المستمرة منذ عام 1996.