بين الليلتين اللتين دعا فيهما ميشال إلفتريادس جاك فيرجيس إلى «ميوزكهول» (في عامي 2009 و2010) ليقدّم عرضه المونودرامي «سفّاح المرافعات»، أخبار ولقاءات وزيارات أخرى يتحدّث عنها المنتج اللبناني الذي ربطته بفيرجيس صداقة تعود إلى عشاء جمعهما في العام 2006. من زيارات فيرجيس إلى لبنان واحدة قام بها مع ابنته مريم من المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، ولقاء نظّمه إلفتريادس جمع فيه كلاً من أنيس النقاش وفيرجيس بعد عشرين عاماً على لقائهما الأخير.
في «سفّاح المرافعات» الذي قدّمه فيرجيس للمرّة الأولى على «مسرح لا مادلين» الباريسي عام 2008، قصّ علينا بعض المحطات والتجارب خلال رحلته، مستحضراً بعض الوجوه التي دافع عنها، من بينها المناضل جورج إبراهيم عبد الله. يقول إلفتريادس إنّ جزءاً من هذه الدعوة كان للحديث عن عبد الله، فقد ردّد فيرجيس دائماً أنه «لا يمكننا الاستمرار بالضغط الخارجي في قضية جورج عبد الله إذا لم يكن هناك ضغط داخلي من قبل اللبنانيين». هذه الدعوة جاءت «بناء على الصداقة التي جمعتنا» بحسب إلفتريادس، وبناء على «رغبة فيرجيس في مشاركة تجاربه هذه مع الناس وإطلاعهم عليها».
وكما كان فيرجيس يركّز على الجانب الإنساني للمتهمين الذين دافع عنهم مثل المجرم النازي كلاوس باربي، ركّز الفتريادس على الجانب الإنساني الذي كان يملكه المحامي الإشكالي. فيرجيس الإنسان الذي لطالما ردّد قصائد فيكتور هوغو الطويلة، كانت لديه هواية في جمع «أقنعة القبائل»، كما كان يعشق الأغنية الفرنسية والشعر.
من اهتماماته البعيدة عن اهتماماته الدفاعية الإشكالية، ينتقل إلفتريادس لوصف شخصية «صديقه»، فهو يملك روح النكتة، ويجمع في شخصيته بعض التناقضات والمفارقات التي كانت متوالفة ومتناغمة من دون أي تضارب. المحامي الشيوعي، لم يمنعه توجهه هذا من العيش في بيت جميل وفخم، ولا أن يدخن السيجار بشكل دائم، وأن يرتاد المطاعم الفخمة. كان يناضل ويعيش حياة غنية و«هذان ليسا نقيضين». يروي إلفتريادس بعض القصص المضحكة منها دعوته لفيرجيس ولرئيس جمهورية تيمور الشرقية الديمقراطيّة خوسيه راموس هورتا إلى العشاء.
هرب هذا الأخير من الجلسة بسبب وجود فيرجيس وبسبب «تحضير مؤامرة عليه».
هذه جزء من الصورة التي كان يمثّلها باعث القلق فيرجيس. أما ما جمع إلفتريادس بالمحامي الفرنسي فهو «اتفاقنا السياسي المناهض للإمبريالية بشكل عام» كما كان من «القليلين الذين فهموا عملي، وإمبراطورية اللامكان». «في السنوات الأخيرة، كنت أزوره في كل رحلة إلى فرنسا» يقول إلفتريادس الذي كان من المتوقّع أن يزوره في نهاية هذا الصيف، فقال له فيرجيس «لا تتأخّر بعد أيلول».
هل هي مصادفة أن يموت عاشق فولتير في الثامنة من مساء أول من أمس داخل منزل صاحب «أطروحة بشأن التسامح»؟