الحواجز المنتشرة على مداخل الضاحية، تبطئ حركة السيارات الوافدة. ينتظر الناس تفتيش آلياتهم بهدوء. ولا حتى سيارة واحدة تطلق بوقها تذمّراً. يقتربون من الحاجز ويشدّون على أيدي عناصر حزب الله الذين يفتشون السيارات. لكن مع ذلك، قلّة كانوا الوافدين إلى الضاحية صباح أمس. بدت الضاحية هادئة. ربما هذا تأثير يوم الأحد. ومن المنتظر أن يعود النبض إليها بدءاً من اليوم. وتعجّ هذه الشوارع بالناس مجدداً. فهذه هي الضاحية وهي لا تعرف أن تكون غير نفسها.
موقع الانفجار الأكثر ازدحاماً في المنطقة. الناس أتوا ليعاينوا آثار الجريمة، وأصحاب المحال والمؤسسات التجاريّة، عادوا أمس لأول مرّة لمعاينة محالهم. فلا يجعلك الهدوء تعتقد أنّ تغيّراً طرأ على الضاحية بعد هبوب ريح الإجرام عليها مرة جديدة. فها هو أبو علي، يجلس أمام محل المعجنات الذي يملكه، والذي احترق كلّياً، مع موظفيه وأخويه وأصدقائه لشرب قهوة الصباح! جاؤوا جميعاً صباح أمس، للبدء بتنظيف المحل، لكنهم عادوا وقرّروا أن يأخذوا نهار عطلة معاً لأول مرة. سيشربون القهوة ويتسامرون مع الجيران الذين التف بعضهم من حولهم أيضاً، على أن يبدأوا صباح اليوم عمليّة التنظيف. أبو علي الذي يحمل الجنسية الأميركيّة لا يفكّر بترك البلاد. كلّ ما تخيّله عن خوف يمكن أن يعتريه ويدفعه إلى الهجرة مجدداً بعد أحداث كهذه، « تبخّر». فهو باق ليعيد بناء محلّه ليكون «شوكة في عيون من زرعوا التفجير». عبد الكريم سلامة، المصاب بجروح طفيفة ، عاد أمس لتنظيف محلّه. وحده ينظّف ويحاول إعادة ترتيب الفوضى التي حلّت في محل الأدوات الكهربائيّة. أمّا بخصوص التعويضات؟ فقد بدأت يوم الجمعة الماضي مؤسسة جهاد البناء إحصاء الأضرار. وإن لم تنهِ عملها بعد، فإنّ الأرقام المتوافرة حتى الآن هي تضرّر 128 محلّاً ومؤسسة تجاريّة، 160 آلية، 35 مبنى سكنياً، خمسة منها احترقت بالكامل وبدأ العمل على تدعيم أعمدة اثنين منها، وأخيراً تضرّر 475 وحدة سكنيّة. عمليّة المسح ستُستكمل على مدى اليومين المقبلين، لكن الناس وإن كانوا لن ينتظروا المساعدة لإعادة الروح إلى مؤسساتهم، إلا أنهم يعتمدون على المؤسسة في ما يخصّ التعويضات. فهي محطّ ثقتهم الوحيد. والدولة؟ «انسي، ما في دولة» يقولون. حتى يوم أمس، لم يكن قد ظهر بعد وجه الهيئة العليا للإغاثة البهيّ، على المتضرّرين. حاولنا الاستفهام عن الموضوع من الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة ابراهيم بشير، إلا أنّه لم يجب على اتصالاتنا. لكن رئيس بلدية حارة حريك زياد واكد، أكّد أنّ البلدية ستبدأ صباح اليوم مع الهيئة العليا للإغاثة مسح الأضرار للتعويض على المتضرّرين .
بعد انتهاء عملية المسح، ستقرّر مؤسسة جهاد البناء شكل التعويضات الذي ستعتمده. حسن حريري، مالك أحد الأفران المتضرّرة، يعدّ فرنه للعودة إلى العمل منذ اليوم، وقبل وصول التعويضات. الآثار التي تركها الانفجار على محلّه يمكنه أن يزيلها. حسن، السوري الجنسيّة، لا يريد أن يُثقل الحمل على «جهاد البناء». يقول: «ليبدأوا بالتعويض ومساعدة من هم بحاجة أكثر منّي . أنا يمكنني الانتظار». مضى على وجود حسن في الضاحية 22 سنة. جاره السوري الآخر سليمان، صاحب السوبر ماركت، قضى سنتين في الضاحية فقط حتى الآن. لكن الاثنين يقولان إنّ جيرانهما سارعوا للإطمئنان عليهما واحتضانهما، كما هم فعلوا من جهتهم أيضاً، بعد الحادثة المؤلمة.
قد تكون الضاحية هادئة اليوم، لكنها ستعود إلى ضجيجها وزحمتها المعتادة. المراهقة الشقراء التي تجلس على كرسي قرب حافة ما تبقى من منزلها، غارقة في هاتفها النقّال، وأبو علي الذي يناديك ليذكّرك بأن تمرّ ليخبز لك منقوشة نهاية الأسبوع، يطمئنان العابرين إلى أنّ الضاحية وأهلها لا يزالون بخير وستعود محالهم وشققهم أفضل ممّا كانت .