لا صوت يعلو فوق صوت الاستنفار الأمني الذي تعيشه البلاد منذ متفجرة الرويس الخميس الماضي. الأجهزة الأمنية التي لمست حجم الخطر الأمني وضعت على رأس سلّم أولوياتها خلال اليومين الماضيين ملاحقة الخلايا المشتبه في ارتكابها عدداً من الجرائم، أبرزها تفجيرا الرويس وبئر العبد وإطلاق صواريخ على الضاحية.
وخلال اليومين الماضيين، جرت عمليات بحث حثيث عن المشتبه فيه الرئيسي في إطلاق الصواريخ، أحمد طه، وقد أوقفت استخبارات الجيش شقيقه فادي وأحد أقاربهما، للاستماع إلى ما لديهما من معلومات عن أحمد. كذلك جرى دهم منزل يعود للعائلة في منطقة قريبة من بلدة صوفر، لكن من دون العثور على أحمد. وسرت معلومات عن توقيفه في منطقة البقاع، إلا أن مصادر أمنية معنية لم تؤكد هذه المعلومات. وفي السياق ذاته، بدأت الأجهزة الأمنية، وخاصة استخبارات الجيش، حملة لضبط السيارات المسروقة، بعدما توفرت معلومات عن إمكان استخدام عدد منها في عمليات التفجير. وأجري إحصاء لهذه السيارات، على أن يجري تعميم مواصفاتها على مختلف القطعات الأمنية. كذلك عاد إلى الأضواء الحديث عن ضبط عمليات بيع السيارات وتأجيرها، بعدما تبيّن أن سيارة الـ BMW التي استخدمت في تفجير الرويس سبق أن بيعت لنحو 5 أشخاص، فيما هي لا تزال مسجلة باسم مالكتها الأولى، التي جرى الاستماع إلى إفادتها من قبل استخبارات الجيش.
وعلى صعيد التحقيقات في متفجرة الرويس، كشفت قناة «الجديد» عن معلومات أمنية تفيد بأن زنة الرويس تزيد على 400 كيلوغرام من المواد المتفجرة موضوعة داخل قالب حديدي موجود داخل قالب بلاستيكي آخر في السيارة. وأكدت أن العبوة فُجرت عن بُعد بعدما ترجل منها المجرم وابتعد عنها نحو 5 دقائق، وبالتالي فالتفجير ليس انتحارياً. وأشارت الى أن شاهد عيان كان قد اقترب من السيارة وتفقدها من الخارج قبل تفجيرها لأنه كان يريد شراء سيارة مماثلة، وبعدما ابتعد حوالى 500 متر دوّى الانفجار.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، قد تابع المستجدات الأمنية، واطلع من المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على المعلومات التي توافرت لدى الأمن العام عن سيارة الناعمة وما يتفرع عن هذا الملف من معطيات أمنية. كما اطلع منه على المعلومات المتوافرة في شأن انفجار الرويس.
ونوه ميقاتي «بالجهد الكبير الذي يقوم به اللواء ابراهيم وجهاز المديرية العامة للأمن العام في حفظ الأمن وكشف المخططات التي يراد منها ضرب الوضع الأمني في لبنان».
وكان ميقاتي قد عقد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات في منزله بطرابلس، في إطار متابعة الأوضاع السياسية والأمنية في المدينة وتحصين الإجراءات المتخذة لمنع أي إخلال بالأمن.
من جهة أخرى، دعا رئيس بلدية عرسال علي الحجيري في حديث تلفزيوني «الجيش الى الانتشار على الحدود وحماية عرسال، والدخول الى عرسال واعتقال من يشتبه به، ومن يثبت أنه متورط بالتفجيرات وبأي عمل أمني»، مؤكداً عدم تغطية أحد، ومبدياً استعداده لمساعدة الجيش في كل ما يحتاج إليه لضبط الأمن والحدود.
في غضون ذلك، استمرت ردود الفعل المستنكرة لانفجار الرويس. وبرزت في السياق إدانة مجلس التعاون الخليجي للجريمة. وحث المجلس في بيان أصدره أمينه العام عبد اللطيف الزياني جميع «الأطراف والقوى اللبنانية على تفويت الفرصة على المخربين ودعاة الفتنة والإرهابيين، والعمل على سرعة تشكيل الحكومة اللبنانية، والتعاطي الإيجابي مع جهود رئيس الجمهورية ميشال سليمان لاستئناف مسيرة الحوار الوطني اللبناني».
وتوازياً، انتقد الرئيس سعد الحريري الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ورأى أنه كان «في بدايته كلاماً موزوناً، ثم كانت الكارثة في نهايته». وقال:«لا أعلم كيف يمكن لرجل مسؤول أن يتناقض مع نفسه بهذا الشكل وينتقل من الدعوة لضبط النفس الى إعلان استعداده للذهاب الى سوريا شخصياً». وأضاف: «جميل أن يتحمس الأمين العام لحزب الله لمحاربة الإرهاب، ولكن لا نفهم حتى الآن لماذا وضع خطاً أحمر في نهر البارد. ألم يكن السلاح الذي حارب الجيش تكفيرياً؟». وقال: «ما حصل في الرويس جريمة بشعة، لكن حرب حزب الله في سوريا هي جريمة أيضاً». وأضاف: «إذا كان حزب الله يريد محاربة التكفيريين، فعليه أن يتشاور مع سائر اللبنانيين».
في المقابل، كانت لحزب الله على لسان مسؤوليه ونوابه مواقف من انفجار الرويس وتأليف الحكومة العتيدة. ورأى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد «أنّ تضييع الوقت وعدم تشكيل الحكومة من شأنهما أن يزيدا من الاحتقان والاشتباك النفسي والسياسي بين الناس بلا جدوى». فيما طالب رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك «البيئة التي تحتضن المجرمين الذين قاموا بالمجازر وباتوا معروفين بأن تلفظهم كي نعيش معاً»، مشدداً على أن «حقنا لا يضيع، إسرائيل نلاحقها وننتقم منها مهما كانت الأدوات وأينما كانت هذه الأدوات».
من جانبه، وفي موقف لافت، أكد منسق تيار المستقبل في الشمال مصطفى علوش أنه «يجب الخروج بشكل كامل لكل الأطراف من الأتون السوري، وبشار الأسد يقول إنها لعبة كونية وهذه اللعبة لن يستطيع حزب الله ولا تيار المستقبل التغيير فيها».
وفي السياق، طالب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال جولة رعوية في عدد من بلدات وقرى كسروان «بحق الدماء البريئة التي أريقت بتأليف حكومة ووضع قانون جديد للانتخاب ودعم الجيش، مع رفض الأمن الذاتي والكف عن الاتهامات».