لم تختلِف صورة طرابلس أمس عن صورة الضاحية في الأسبوع الماضي. بات عمود الدخان زائراً لا يستثني منطقة من ثقل ضيافته.
رُغم ذلك، أبى بعض النواب المستقبليين إلا أن يُمارسوا التعبئة الغرائزية التي لا يحتملها هول المشهد. تعاطوا مع كارثة المدينة بمنتهى الانتهازية. لم يُدركوا أن لا مجال لألسنتهم المتفلّتة، ولا لرؤوسهم المفخّخة ضد حزب الله والنظام السوري. حتى إن إعلامهم، الذي يطرح نفسه ناطقاً باسم عاصمة الشمال، أصرّ على تهريب الاتهامات باتجاه الداخل، رغم أنف المُصرّحين عكس ذلك، مُصرين على أن جهة داخلية مسؤولة أو مستفيدة، وليست إسرائيل.
النواب، الممدّد لهم بحجة الحفاظ على الأمن، تحدثوا لحظة الانفجار كمن يشدّ خيوط التفجير السياسي فوق الركام الممزوج بالدم الطازج. لم يكف النائب أحمد فتفت الصدفة التي شاءت أن يسبق تحذيره «من عمل أمني كبير»، التفجير بيوم واحد. خرج مجدداً كي يربط ما حدث بالكلام الموجّه إلى 14 آذار، معتبراً أن «اللواء أشرف ريفي يُمكن أن يكون هو المستهدف». ولم يكُن من المفاجأ أن يعتبر النائب خالد ضاهر «الانفجارين ترجمة لخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير». وإن كانت تصريحاتهم غير المسؤولة كارثة بحدّ ذاتها، فإنّ أخطر ما في انفجار طرابلس، كان ظهور بعض قادة المحاور كي «يُطمئنوا» الناس الى أنهم لا يزالون على قيد الحياة، بغضّ النظر عن عدد المواطنين الذين شاء القدر أن يُسقطهم شهداء على مذبح الشحن الديني الذي تشهده المدينة منذ أشهر. بطبيعة الحال، الشيخ سالم الرافعي بخير، هو الذي لم يأتِ كعادته للصلاة في جامع التقوى، حيث الانفجار. كان همّه الأول طمأنة مناصريه، كما كان همّ ريفي الذي تحدّث عن سلامته وسلامة عائلته قبل إدانة الحدث. لا يعلم كل منهما أن العين لم تُصوّب نحوهما، وأن القلب كان على طرابلس وأهلها من غير السياسيين. على دماء الأبرياء والفقراء تسيل على الأسفلت.
لا يختصر فتفت وريفي وضاهر وآخرون موقف تيار المستقبل من التفجيرين. استدرك عدد كبير من شخصيات التيار خطورة الموقف، على رأسهم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي توجّه إلى اللبنانيين ببيان ناشد فيه «كل القيادات أن تعمل على التمسك بالصبر والحكمة ومواجهة هذه الجريمة بما تقتضيه من تضامن وتعاون وتسهيل». فيما اعتبر القيادي في التيار النائب السابق مصطفى علّوش أن «المجموعة التي استهدفت الضاحية هي نفسها تستهدف طرابلس». وكان بارزاً تصريح عدد من نواب المستقبل الذين سارعوا إلى رفض تحميل أي جهة لبنانية مسؤولية التفجير من دون وجود أدلة، مؤكّدين أن «الهدف هو إشعال الفتنة السنية ــــ الشيعية». الانقسام السياسي في تيار المستقبل بعد تفجير طرابلس كان واضحاً. فقد رفضت مصادر نيابية بارزة في حديث إلى «الأخبار» ما وصفته بـ«الاتهام العشوائي »، معتبرة أن «المتهمِين الذي يملكون القدرة على صوغ البيانات المتهوّرة يُكمّلون بذلك دور الإرهاب الذي ضرب الضاحية وطرابلس من دون تمييز»، متناسين أن «الثمن سيدفعه الجميع، ومن يظُن أن أحداً من الأطراف اللبنانية بعيداً عن لعبة الموت هذه، أو في منأى عن الخطر واهم»، وأن أي «دعوة إلى ردة فعل ستجلب المزيد من الخراب». ولفتت هذه المصادر إلى أن «الفتنة التي يسوّق لها تحتاج الى استنفار أرفع درجات الوعي»، وأن «الخطاب الوحيد المطلوب اعتماده في هذه اللحظة هو التأكيد على ضرورة قطع اليد الإرهابية التي تمتد الى المدنيين الآمنين».