سرق تفجيرا طرابلس الإرهابيان أضواء الحدث من إغارة طيران العدو الإسرائيلي على منطقة الناعمة فجر أمس. الغارة التي قال عنها ناطق باسم جيش الاحتلال إنها ردّ على الصواريخ الأربعة التي سقطت على شمال فلسطين المحتلة انطلاقاً من منطقة الحوش في صور.
حتى الآن، لا تملك الأجهزة الأمنية اللبنانية فكرةً واسعة عن الجهة التي نفّذت عملية إطلاق الصواريخ، وبحسب ما أكد مصدر أمني لـ«الأخبار» أن الأجهزة «تشتبه بسيارة رينو رابيد حمراء تحمل لوحة مزوّرة، شوهدت في مكان إطلاق الصواريخ». كما أن الأجهزة لا تأخذ فرضية أن يكون تنظيم «كتائب عبد الله عزام سرايا زياد الجراح» خلف الصواريخ، كما سبق أن تردّد في اليومين الماضيين، علماً بأن الكتائب سبق لها أن تبنّت إطلاق صواريخ من الجنوب باتجاه فلسطين المحتلة.
وخلافاً لما تمّ تداوله في وسائل الإعلام وما أعلن عنه جيش العدو، عن أن الغارة الإسرائيلية استهدفت «مقراً إرهابياً في منطقة الناعمة»، وما قيل إنه موقع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــ القيادة العامة، فإن الصاروخ الإسرائيلي الذي أطلق من طائرة حربية في عرض البحر لم يصب أي موقع وسقط بعيداً عن «نفق الناعمة» الشهير التابع للقيادة العامة. وعلى ما أكدت لـ«الأخبار» مصادر من المنطقة ومصادر في القيادة العامة، فإن الصاروخ انفجر في الوادي القريب من النفق بين الأشجار، محدثاً حفرة عميقة في الأرض، من دون أن يوقع خسائر بشريّة أو مادية.
حسناً، إذا كانت إسرائيل وعلى لسان أكثر من مسؤول أمني وسياسي قد أعلنت أول من أمس أنها كانت تملك معلومات مؤكدة عن نية منظمات من «الجهاد العالمي» مرتبطة بتنظيم القاعدة تستعد لإطلاق صواريخ على الأراضي المحتلة، وبما أن الحكومة الإسرائيلية دعت مواطنيها إلى متابعة حياتهم بشكل طبيعي، ثمّ قامت بالرد بصاروخ واحد على مقربة من موقع للقيادة العامة، وهو فصيل حليف لسوريا وحزب الله ولا يمتّ لـ«الجهاد العالمي» بصلة، بالإضافة إلى أن الصاروخ لم يحقّق أي إصابة حقيقة بالمعنى الميداني، لماذا إذاً استهداف الناعمة؟
اعتادت إسرائيل على الردّ في المرات السابقة على عمليات كهذه بقذائف ميدانية على مكان إطلاق الصواريخ. الردّ الإسرائيلي هذه المرّة كان مغايراً، وبالطبع يترك أكثر من علامة استفهام. ولم يخفِ أكثر من مسؤول إسرائيلي أن الغارة رسالة إلى الدولة والجيش اللبنانيين، محملين الحكومة اللبنانية مسؤولية إطلاق الصواريخ. الرد ليس عسكرياً إذاً، بل رد سياسي محدّد.
وترى مصادر في قوى 8 آذار أن «إسرائيل تريد الرد على إطلاق الصواريخ من دون أن تستفزّ حزب الله للرد عليها، لذلك اختارت هدفاً لا يوقع خسائر». وتقول مصادر أخرى في 8 آذار أيضاً، إن «هذه رسالة استهداف للجيش اللبناني، والتحريض للبنانيين على الفلسطينيين في السياق نفسه الذي أتى به القرار 1559، إذ إن دخول العامل الفلسطيني على مشهد فتنة سنية ــ شيعية في لبنان يزيد الأمر تعقيداً». وتضيف المصادر أن «إسرائيل تدرك تماماً الحساسية التي تخلقها قوى 14 آذار من الفصائل الفلسطينية القريبة من سوريا وحزب الله، كما أن إسرائيل تعتمد على الواقع السياسي ــ الاجتماعي الهش في البلد لخلق حلفاء لها بحكم المصلحة المشتركة يناصبون العداء للمقاومة، وهؤلاء ينمون بشكل مطّرد على خط الساحل الجنوبي، في حين تشكل مواقع الناعمة جزءاً من منظومة أمن طريق الجنوب بالنسبة للمقاومة».
في حين، يشير مسؤول الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة في لبنان أبو عماد رامز مصطفى لـ«الأخبار» إلى أن «إطلاق الصواريخ على فلسطين المحتلة شرف لا ندّعيه، لكنّ القيادة لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بهذه الصواريخ، وما الخطوة الإسرائيلية إلا لخلق فتنة لبنانية ــ فلسطينية وإعادة إحياء للقرار الميت 1559».
من جهته، أدان حزب الله الغارة الإسرائيلية ووضعه «برسم مدعي السيادة»، متسائلاً «عن سر خفوت صوت قوى 14 آذار عن الاعتداءات الإسرائيلية فيما يرتفع حيث لا ينبغي ذلك»، مؤكّداً أن «المقاومة في أتم الجهوزية للدفاع عن لبنان وأمنه واستقراره».
كذلك أدان رئيس الجمهورية ميشال سليمان الغارة الإسرائيلية، معتبراً أن «الخروقات على الحدود تعالجها لجنة التحقيق التابعة لقوات حفظ السلام اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان، وليس بالعدوان وانتهاك السيادة اللبنانية، كما فعلت إسرائيل فى الناعمة». كما طلب من وزير الخارجية عدنان منصور تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل.