بعدما انتهت مجموعة من الشبّان من تفقد مسجد السلام في طرابلس، الذي تجمّع في محيط مسرح الانفجار أمام مدخله الرئيسي مئات الفضوليين، طرح أحدهم على رفاقه الذهاب لتفقّد مسجد التقوى للغاية نفسها، لكن الجميع عارضه في ذلك، ما جعله يلغي الزيارة.
الاهتمام الكبير الذي لقيه مسجد السلام الواقع على طريق الميناء أكثر من مسجد التقوى الذي يقع على تخوم باب التبانة، وعلى كل المستويات، سببه جملة عوامل جعلت التمييز في التعامل مع «الجريمتين» فاقعاً، وبدا أنه يستند إلى الفروق الاجتماعية بين المنطقتين.
أبرز مظاهر هذا التمييز الذي أظهر وكأن كل مسجد يقع في بلد مختلف عن الآخر، مع أن المسافة بينهما لا تزيد على خمسة كيلومترات، أن السياسيين قصروا زياراتهم التفقدية على مسجد السلام، فيما بدا مسجد التقوى كأنه مقطوع من شجرة، أو كأن ليس من جريمة كبيرة ارتكبت في حقه.
سبب عدم زيارة السياسيين التفقدية لمسجد التقوى، حسب تفسير أوساط بعضهم، يعود إلى الانتشار العلني للمسلحين في محيطه بعد الانفجار، وإلى قربه من منطقة ساخنة أمنياً هي باب التبانة، فضلاً عمّا أشيع عن شبان ينتظرون أي مسؤول سيزور المسجد كي يرشقوه بالحجارة، وهو ما دفع مثلاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية مروان شربل، وسواهما من الوزراء والنواب، إلى تجنّب زيارة المسجد بعدما كانوا قرروا ذلك.
وهذا التمييز انسحب حتى على وسائل الإعلام المرئية التي أعطت مساحة في تغطيتها لانفجار مسجد السلام أضعاف ما أعطته لانفجار مسجد التقوى، وكذلك الصفحات الإخبارية على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى درجة أن بعضها لم ينشر صورة واحدة لانفجار مسجد التقوى، بينما نشرت عشرات الصور لانفجار مسجد السلام.
يبرر البعض ذلك بأن الانفجار الثاني أحدث أضراراً أكبر من الذي حصل في التقوى، نظراً إلى كثافة الأبنية السكنية في محيطه، إضافة إلى أن منازل سياسيين وقادة أمنيين سابقين تقع في محيط مسجد السلام، كمنزلي ميقاتي والمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، بينما لا يقطن أحد من السياسيين في محيط «التقوى».
لكن الذي لم يكن مبرراً ولا مفهوماً ولا منطقياً، أن يقتصر اهتمام بلدية طرابلس والوزارات والجهات الرسمية المعنية وهيئات المجتمع المدني على المنطقة المحيطة بمسجد السلام، فيما غابت المنطقة المحيطة بمسجد التقوى عن بال أغلب المسوؤلين.
ففي محيط مسجد السلام جرت عملية رفع الأنقاض وتزفيت الحفرة التي أحدثها الانفجار وسط المسرب الغربي من الطريق، وبدأت عملية ترميم المسجد وإزالة الركام من وسط الشارع وكنسه، في أقل من 48 ساعة، وسط مشاركة لافتة من هيئات المجتمع المدني وشبّان وصبايا غلب على بعضها طابع «البرستيج»، مطلقين حملة تحت عنوان «سلام وتقوى». أما البيوت المتضرّرة في محيطه، والتي تسكنها عائلات ذات مستوى اقتصادي جيد، فقد باشرت عملية إصلاح منازلها على نفقتها من دون أن تنتظر فرق مسح الأضرار التابعة للهيئة العليا للإغاثة والتعويض عليها.
أما في محيط مسجد التقوى، فغابت كل هذه المظاهر، وبقي الطريق أمام المسجد مغلقاً أمام حركة المرور، وأغلب ركام السيّارات لا يزال في مكانه، إضافة إلى واجهات المحال التجارية المجاورة، فضلاً عن بسطات بيع الخضر والفواكه الملاصقة للمسجد المركونة على جانب نهر أبو علي المجاور، والتي دفع عصف الانفجار القوي ببعضها إلى قاع النهر.
الغضب في باب التبانة جرّاء هذا التمييز كان كبيراً أمس، «لأنه سقط 13 شهيداً من المنطقة وحدها»، حسب قول عضو البلدية وابن المنطقة خالد صبح، الذي أشار إلى أن «اتصالات جرت مع الرئيس ميقاتي جعلته يوعز إلى هيئة الإغاثة وأمينها العام العميد إبراهيم بشير بزيارة المنطقة وتفقد الأضرار فيها». وأوضح صبح أن بشير أعلن أنه «سيدفع بدل إيواء لكل من تضرّر بيته كاملاً وأصبح غير صالح للسكن، على أن يتم مسح الأضرار ودفع التعويضات في أسرع وقت»، لافتاً إلى أن بلدية طرابلس التي «أبقت جلساتها مفتوحة لمعالجة تداعيات الانفجارين، دعت إلى عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء في طرابلس، كتعبير ودلالة على اهتمام الدولة بهذه المدينة».