عندما سمع مسؤول سابق في حركة التوحيد الإسلامي، التي بسطت سيطرتها على طرابلس في ثمانينيات القرن الماضي، دعوات البعض بعد انفجاري الجمعة الماضي إلى إقامة أمن ذاتي في المدينة، علّق قائلاً إن «أفشل شيء قامت به حركة التوحيد يومها كان محاولتها فرض الأمن الذاتي الذي حوّل طرابلس حينها الى حارة كل مين إيدو إلو»، لافتاً إلى «الإشكالات اليومية بين مسؤولي الأحياء والأزقة، رغم وجود هيئة تنسيق جماعية كانت تعمل على فضّ الخلافات واحتوائها».
الدعوة إلى الأمن الذاتي في طرابلس من قبل الشيخين داعي الإسلام الشهال وعمر بكري تحديداً، والتي بدت ردّ فعل أولياً، سرعان ما تفاعلت في المدينة وجوبهت برفض واسع للسير في «هذه المغامرة».
أول الداعين الى ذلك كان خطيب مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي، من باب امتصاص النقمة والاحتقان المذهبي والغرائزي لمن دعوا بعد الانفجار إلى إعلان الجهاد، فهدّد بأنه «إذا لم تقم الدولة بحمايتنا وحماية مساجدنا، فسأكون أول من يحمل السلاح وينزل إلى الشارع»، فيما ردّ خطيب مسجد السلام الشيخ بلال بارودي على دعوة الراعي بأنه «لا قدرة لنا على فرض أمن ذاتي في مناطقنا، لأن الأمن الذاتي سيكشفنا ولن يحمينا»، داعياً الدولة وأجهزتها الأمنية إلى «تولّي هذه المهمة».
وكرّت سبحة المواقف الرافضة على لسان مشايخ وسياسيين وقوى مجتمع مدني، واكبها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتأكيده، خلال استضافته وزراء ونواباً في منزله في طرابلس، أن موضوع الأمن الذاتي «مرفوض جملة وتفصيلاً، وطرابلس كانت وستبقى مع خيار الدولة». ولاقاه الوزير فيصل كرامي الذي رأى أن هذا الموضوع «طرحته قلة في طرابلس، وهو مرفوض من أغلبيتها». وعلى المنوال نفسه سار نواب تيار المستقبل الذين أكدوا بعد اجتماع لهم، أمس، مع منسّقي التيار الأزرق في المدينة، في حضور النائبة بهية الحريري، أن «لا بديل عن الدولة والأمن الذي توفره».
مصادر إسلامية في عاصمة الشمال رأت أن الدعوة إلى الأمن الذاتي «ماتت في مهدها»، وبرّرت رفضها هذا النوع من الأمن بأنه «يتطلب تأمين مرجعية موحدة، مثلما هو الوضع في مناطق حزب الله مثلاً الذي بات أخيراً يستنجد بالدولة وأجهزتها لأنه غير قادر على ضبط الأمن في مناطقه. وإذا بادر البعض إلى ذلك في طرابلس، فإنه سيدخلها في حروب أزقة». وشددت المصادر على «أن طرابلس وباقي المناطق السنيّة في لبنان لا يحميها إلا الجيش، وأي فرضية أخرى هي انتحار ذاتي».
هذا في المواقف. أما ميدانياً، وفيما عزز الجيش في الساعات الـ48 الماضية إجراءاته الأمنية في المدينة مع تراجع المظاهر المسلحة، لوحظ أن سيّارات ذات زجاج داكن كانت تجول في شوارع طرابلس وفي داخلها مسلحون، وترفع صور المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، كانت تفتّش السيارات وتدقّق في أوراق المواطنين.
هذا الواقع المتناقض بين الأقوال والأفعال دفع مصادر مطلعة إلى التأكيد لـ«الأخبار» أن «أغلب من يعلنون رفضهم الأمن الذاتي في طرابلس يعملون له سرّاً»، لافتين إلى أن «الأمن الذاتي كان سابقاً قائماً في طرابلس جزئياً، لكنه في الأيام المقبلة سيتعزز أكثر، وأن أغلب ما يقال في وسائل الإعلام غير ما يُطبّق على الأرض».
من جهة أخرى، نظّم تيار المستقبل، بالاشتراك مع المجتمع المدني، في طرابلس، مسيرة بين مسجدي التقوى والسلام، تحت عنوان «مسيرة السلام»، رفعت خلالها أعلام «لا إله إلا الله» السوداء. إلا أن النائب السابق مصطفى علوش طلب من بعض الشبان إنزال الأعلام السوداء والإبقاء على الأعلام اللبنانية، فرفضوا ذلك واعتدوا عليه، ما اضطرّه الى المغادرة.