القامشلي | ما إن انقلبت صورة الواقع السوري، خلال أيام، من تحركات دولية وإقليمية بغية تقريب رؤى قد تُحقق تسوية ما بين رعاة «سلام» عبر «جنيف 2»، إلى توقعات تحمل تهديداً محتملاً خارجياً، سارعت أطراف معارضة متباينة إلى محاولة تدشين جسر ربما أوصلهم إلى مساحة يقولون إنها «أضيق» لسماع أصوات بعضهم.
أخيراً، توجّه وفد من «المجلس الوطني الكردي» إلى اسطنبول بناءً على دعوة من رئيس «الائتلاف» المعارض، أحمد الجربا. ناقش الجانبان «الوثيقة الدستورية الخاصة بحل القضية الكردية والاعتراف الدستوري بالشعب الكردي وحل قضيته». وبحسب المُجْمَع عليه، خرج المتفاوضان بوثيقة تفاهم، أطلق عليها البعض اسم «الاتفاق» يتوقع أن يعلن اليوم في مؤتمر صحافي في إسطنبول. يتضمن الاتفاق عناوين عريضة، أبرزها انضمام المجلس الكردي إلى «الائتلاف» بعد موافقة الأخير على اعتماد اسم «الجمهورية السورية» بدلاً من «اسم الجمهورية العربية السورية»، على أن يشغل المجلس في «الائتلاف» 11 مقعداً، وأن يكون أحدهم نائب رئيس الائتلاف. كذلك توضح بنود مسرّبة الإشارة إلى أنّ «سوريا دولة تعددية والجميع متساوون في الحقوق».
وتفيد تصريحات من الجانبين المتفقين بأن هناك مفاوضات مع حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) للانضمام إلى «الائتلاف»، شريطة «تحديد موقفه من النظام»، بمعنى محاربته، وهو على ما يشير الواقع طلبٌ لن يُستجاب لأسبابٍ تخص علاقة الحزب الكردي الصاعد مع «الائتلاف» و«المجلس الكردي». يضاف إليهما راعية الاتفاق الأخير بينهما، أي أنقرة، وكذلك رؤية «الديموقراطي» لأية تسوية مرتقبة حيال الأزمة السورية عبر «جنيف 2»، وهو ما يتقاطع مع استراتيجية «هيئة التنسيق»، التي يعتبر الحزب من مؤسسيها.
اللافت أنّ خطوة المجلس الوطني الكردي جاءت بعد نحو شهرين من محاولة إحياء «الكتلة الكردية» داخل المجلس الوطني السوري، والذي انتخب منها عضو «الائتلاف»، عبد الباسط سيدا رئيساً لها. حينها جرت محاولة تسويق سياسي لسيدا من قبل أربيل، وكذلك من جانب حلفائه في المجلس الوطني السوري، ومن خلفهما أنقرة. وآنذاك، اعتبر مطلعون أنّ سيدا حسم خياره السياسي منذ البداية «من منظور وطني سوري مجرد وضمن أجندة المجلس الوطني السوري، ولم يقرر هذا الأمر من موقع المصالح القومية». وتالياً، فإن محاولة فرضه تعني القبول بمشروع «المجلس الوطني»، الذي يهيمن عليه الإخوان المسلمون لحلّ القضية الكردية. وهنا يطرح السؤال ذاته بالنسبة إلى المجلس الكردي الذي أدخل إحدى قدميه في أروقة «الائتلاف».
واقعياً، يبدو أن هناك مبالغة في حديث سيدا، من حيث تمثيل الشارع الكردي عبر «التنسيقيات»، التي لا يتخطى تأثيرها الفعلي، اليوم، جدران الشارع الافتراضي. إذ يلاحظ زائر المناطق الكردية في سوريا أعلام «الهيئة الكردية العليا» فوق معظم المباني، وكذلك على الحواجز العسكرية والأمنية الكردية. ذلك في دلالة على أن هذه المؤسسة هي التي تدير شؤون أكراد سوريا. لكن، وكما هو معلوم، فإن المجلس الوطني الكردي يُعدّ أحد طرفي «الهيئة»، غير أنّ «المجلس» الذي يتخذ معظم مسؤوليه من أربيل مقراً لهم، لم يشارك عملياً في مهمة الإدارة والأمن في المناطق الكردية، وهو أحد أهم أسباب خلافاته مع حزب الاتحاد الديموقراطي، الذي يتهمه المجلس باحتكار السلطة هناك.
تشكّل المجلس الوطني الكردي في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2011، في أربيل، برعاية رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برزاني. وكانت علاقته بالمجلس الوطني السوري مضطربة منذ البداية. إذ رفض الرئيس السابق للمجلس برهان غليون الطلب الرئيس للمجلس الكردي باعتماد الفيدرالية في سوريا. وبلغ التوتّر بين المجلسين السوري والكردي أشدّه في أعقاب نشر الأخير «الميثاق الوطني: «المسألة الكردية في سوريا» في أوائل نيسان/ أبريل 2012. واستبعدت الوثيقة الصياغة التي تعترف بالشعب الكردي داخل سوريا.
في 11 حزيران/ يونيو 2012، وقّع المجلس الكردي اتفاقية تعاون مع «مجلس شعب غربي كردستان»، وهي المؤسسة التي أنشأها (PYD). انبثق عن الاتفاق «الهيئة الكردية العليا»، في اتفاق تكميلي عقد في 1 تموز. غير أنّ السلطة ظلت في يد الاتحاد الديموقراطي. ويعتبر الانضمام إلى «الائتلاف» محاولة للعب دور أكبر. غير أنّه يعدّ أيضاً تصعيداً سياسياً متوقعاً، من قبل المجلس الكردي، قد يؤدي إلى تشتيت الصف الكردي. هو تصعيد تبدو فيه معالم التنسيق بين أربيل وأنقرة واضحة، هدفه الضغط على حزب الاتحاد الديموقراطي بغية تقديم تنازلات لصالح المجلس الوطني الكردي. ولا يمكن تجاهل أنّ انضمام المجلس الكردي يمنح الشرعية للتصعيد العسكري الجاري ضد المناطق الكردية، حيث تزامن الاتفاق مع أنباء عن اختطاف «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» 260 مدنياً كردياً خلال توجّههم من عفرين إلى القامشلي.
وفي وقت يطالب فيه «الائتلاف» و«المجلس الكردي» حزب الاتحاد الديموقراطي بمحاربة النظام، يتمسك الأخير بما يصفه «الاستراتيجية الدفاعية» وحماية المنطقة الكردية، سواء من النظام أو المعارضة. ويرى حزب الاتحاد الديموقراطي، أنّ «قوات الحماية جزء من جيش وطني ضمن مناطق الإدارة الذاتية وحماية جميع مكوناتها»، من دون تجاهل أن هذا الاتفاق بين المجلس والائتلاف يأتي بعد أيام على إعلان الـ(PYD) دخول مشروع «الإدارة الذاتية»، التي أعلنوا عنها أخيراً، المرحلة الثانية، وذلك بالتنسيق مع «كل مكونات المنطقة التي يسيطرون عليها». وهو، على ما يبدو، الغاية الأساسية التي يسعى اليها حزب الاتحاد الديموقراطي.
ويُعتقد أن خطوة «المجلس الوطني الكردي»، في حال وصولها الى النهاية، لا تتعدى تغيير مقار مسؤوليه من أربيل إلى اسطنبول، فيما يعيد مراقبون أكراد إلى الأذهان ما وصفوه بـ«الأيام الأخيرة للمجلس الوطني السوري»، لافتين إلى أن أحد أكبر مؤشرات «تفكك الائتلاف وأكبر القرائن على أنه يعيش أيامه الأخيرة هو إغواؤه الأخير» للمجلس الكردي.