لماذا يجب أن ندفع ثمن التزام باراك أوباما بـ«الخطّ الأحمر» الذي تورّط بإعلانه على الملأ منذ سنة؟ هل نريد أن نضيف حرب سوريا الى سلسلة الحروب الكارثية التي خضناها من فييتنام الى الخليج وأفغانستان والعراق؟ هل نحن قادرون أصلاً على خوض حرب كهذه؟ ماذا عن نتائجها السلبية في المنطقة وعلى الولايات المتحدة؟ سأل بعض الصحافيين والمحللين المناهضين لقرار الحرب على سوريا وعرضوا وجهات نظرهم مدعمة بذرائع منطقية.
المحللون أجمعوا على «جوّ ضاغط» يحيط بالرئيس الأميركي ويطالبه يومياً بـ «أن يفعل شيئاً» تجاه سوريا، لكنهم رفضوا أن تدفع تلك الضغوطات الى الدخول في حرب ضروس مع بلد مثل سوريا في منطقة مشتعلة كالشرق الاوسط.
«الرئيس أوباما لا يملك أدنى فكرة عمّا ستنتجه الحرب على سوريا، لأن ذلك أمر لا يمكن معرفته أصلاً» قال البعض. هؤلاء تحدّثوا عن «سوابق عديدة لواشنطن في خوض حروب دامية من دون أن تدري الى ما ستؤول اليه تلك الحروب، وكان آخرها حربي أفغانستان والعراق».
معلّقون صحافيون مثل روبرت دريفوس في «ذي نايشن» وكونور فريديسدروف في مجلة «ذي أتلانتيك» وغيرهم، اختاروا مقاطع من خطاب رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي خصوصاً عندما تحدّث عن «وجوب التهيّؤ الى النتائج غير المرتقبة لقرارنا (ضرب سوريا) وضرورة استباقها»، وتحذيره من «تقوية المتطرفين ونشر الأسلحة الكيمائية بدل السيطرة عليها في ظلّ سقوط أجهزة النظام وغياب معارضة قادرة على ملء الفراغ». هؤلاء علّقوا على كلام ديمبسي بالقول «إذاً، بكلمات اخرى، نحن لا نعرف ماذا سيحصل بعد ضرب سوريا، لكن قد يكون الأمر شنيعاً ومحاولتنا للحدّ من العنف قد تؤدي الى زيادة الوضع سوءاً». ما هي خطة واشنطن في حال تسلّم الإسلاميون المتطرفون زمام الأمور في سوريا بعد ضربها؟ سأل الصحافيون وأردفوا ساخطين، «لا تملك إدارتنا جواباً على ذلك».
الأكيد، بالنسبة لهؤلاء، أن «حقن الحرب الأهلية السورية بمزيد من الصواريخ هي الطريقة الأكثر كلفة لمساعدة الشعب السوري. بل هي الوسيلة التي ستحوّلنا الى أعداء ألدّاء». واستنتجوا أن خوض هجوم مجهول النتائج على سوريا «ستكون له تأثيرات سلبية على الولايات المتحدة وعلى المنطقة ولكن عدم خوضه لن يؤذينا وسيمكّننا من الاستمرار بمساعدة السوريين مقيمين ولاجئين». ألا يقول دعاة الحرب المتشددون إنهم يشننون حرباً «بهدف مساعدة السوريين؟» سأل المعلّقون. مناهضو فكرة شنّ الهجوم على سوريا سردوا تاريخ الولايات المتحدة الطويل مع المغامرات الدموية التي أنتجت «مذابح لا تنتهي كانت بغنى عنها». «قد نقرر أن نعاقب الرئيس بشار الأسد لاستخدامه السلاح الكيميائي ــ ولا أذكر أننا عاقبنا صدام حسين في الثمانينيات ــ قد يشعرنا ذلك بالتحسّن، لكنه لن يحلّ شيئاً على المدى البعيد، الا إذا أردنا أن نقتل المزيد من الناس وأن نبقى في سوريا أكثر مما بقينا في العراق وأفغانستان»، كتب غاري هارت في «ذي ناشيونال إنترست».
استخلاص العبر من التجارب الماضية ينطبق أيضاً على الشقّ الميداني في قرار شنّ الحرب على سوريا. «الى مَن لم يتعلّم من حرب العراق نقول إن قواعد الحرب تغيّرت» كتب هارت. وأضاف إن «كل حاملات الطائرات النووية وكل الصواريخ البعيدة المدى وأقسام الوحدات العسكرية، لا تنفع في حرب غير نمطية، مثل الحرب على سوريا».
وعن اقتراح ضرب مخازن الأسلحة الكيمائية، نشرت مجلة «فورين بوليسي» خريطة لـ «34 موقعاً قد تستهدفها الصواريخ الاميركية». ورفض بعض الصحافيين فكرة ضرب المخازن الكيمائية وقالوا إنها «لا يمكن أن تكون جدية نظراً لعدد المخازن الكبير وبسبب مناطق تواجدها، ما سيؤدي الى سقوط ضحايا مدنيين كثر».
كيف نتجنّب الحرب
فهل يمكن للولايات المتحدة أن تتجنب حرباً مع سوريا؟ «نعم يمكنها ويجب أن تفعل ذلك» كتب روبرت دريفوس في «ذي نايشن»، مضيفاً «هذا في حال كان صحيحاً أن الأسد استخدم السلاح الكيميائي». لكن كيف يمكن لواشنطن تجنّب هذه الحرب؟ «من خلال بذل كل جهودها للتوصل الى وقف إطلاق النار». تلك الخطوة تتضمن «ممارسة الرئيس أوباما ضغوطاً حثيثة على المملكة العربية السعودية والدول العربية والخليجية وتركيا من أجل الحدّ من تسليح المقاتلين والضغط على روسيا وإيران لنفس الهدف». دريفوس رأى أن حملة دبلوماسية دولية شاملة كان يمكنها أن تحقق ذلك الهدف، «لكن ليس هناك أي دليل على أن أوباما فكّر حتى بالأمر». الصحافي أشار الى أنه «في حال ضربت واشنطن سوريا الآن فإن ذلك سيكون كردة فعل عاطفية، لأن كثيرين سخروا من الخطّ الأحمر الذي أعلنه أوباما منذ عام حول الكيميائي السوري». السؤال الذي يطرح نفسه، يشير دريفوس، هو «لماذا قد يستخدم الأسد السلاح الكيميائي الآن وهو يعلم أن ذلك سيستتبع ردّاً أميركياً، خصوصاً أن قواته كانت تحقق انتصارات في الأشهر الماضية؟». الكاتب يقول إننا قد لا نعرف الاجابة أبداً وقد تضيع في ضباب الحرب، لكن «الأكيد هو أن السعودية وإسرائيل يريدان حرباً». مقال دريفوس يتابع تخيّل السيناريو الكارثي المحتمل بعد أن يقرر النظام السوري الردّ على التدخل الاميركي باستخدام السلاح الكيمائي أو بفتح جبهة، ما سيستدعي تدخلاً أكبر من جانب واشنطن وبالتالي رداً أكبر من روسيا.
هذا السيناريو رسمه الصحافيون الذين لم يرفضوا كلياً فكرة الهجوم على سوريا من خلال ضربات محددة، «ذي وول ستريت جورنال» و «ذي واشنطن بوست» ذكرتا أن «أي تطور في الردّ من الجانب السوري سيضع أوباما تحت ضغوط كبير من أجل التصعيد، ما يعني الاتجاه نحو حرب شاملة». افتتاحية الـ«بوست» تشرح أنه بعد توجيه الضربات من البوارج الحربية الاميركية يجب على واشنطن أن تستمر بـ«العمليات العسكرية وتدريب المقاتلين ومدّهم بالأسلحة الى جانب العمل الدبلوماسي». «لأن مصلحة أميركا في أن تنتصر القوى المعتدلة في سوريا لا يمكن تحقيقها بصلية من الصواريخ أو صليتين، بل بالصبر والالتزام».