كل شيء يوحي بأن التحالف الغربي يستعدّ لضربة عسكريّة في سوريا. من اجتماع الأردن الذي ضمّ قبل يومين رؤساء هيئات الأركان في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والسعوديّة… مروراً بالحركة الديبلوماسيّة الكثيفة، وتعالي وتيرة التصريحات التي رفعت احتمال الحرب، خلال ٤٨ ساعة، من غير وارد إلى شديد الاحتمال… وصولاً إلى اجتماع اسطنبول الذي جمع ديبلوماسيين غربيين وممثلين عن «الإئتلاف الوطني».
تبلّغ هؤلاء النبأ السعيد الذي ما لبثوا أن زفّوه إلى الرأي العام. طمأننا أحمد رمضان، عضو الهيئة السياسية لـ «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، عبر وكالة «فرانس برس»، إلى أنّها «مسألة أيّام لا أسابيع»! قبل أن يتباهى بأن المعارضة ناقشت مع «الدول الحليفة» لائحة بأهداف محتملة. كلّهم شمّوا رائحة الكيماوي، وكلّهم يعرفون تمام المعرفة ـــ بما في ذلك أعضاء «الجامعة العربيّة» ـــ أن نظام بشّار الأسد هو مطلقها. قبل تقارير الخبراء (ماذا نفعت التقارير في العراق؟)، وبغض النظر عن أي منطق! المنطق الوحيد مصلحة الأقوى، كما في حكاية الذئب والنعجة. صور أطفال الغوطة الشرقيّة الممددين في اغفاءة فظيعة، كانت كافية لتحديد هويّة القاتل، ولتخدير الرأي العام وتهيئته لتقبّل الجرائم الاستعماريّة الآتية.
المعارضة السوريّة المسلّحة تعيش حالة من الهياج، لا تضاهيها سوى حماسة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي يستقبل غداً رئيس «الإئتلاف» أحمد الجربا، واندفاع وزير خارجيّته لوران فابيوس. هذا الأخير يكاد يقتله شوقه إلى الساعة الصفر التي ستعيد الشرق العربي دهراً إلى الوراء. بعد أن إطمأن الاشتراكيون الفرنسيّون إلى انجازاتهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة في الداخل، صار بوسعهم أن ينصرفوا لرسالتهم الانسانيّة. «نعرف أن الأميركيين يستعملون كل أنواع الذرائع لتبرير حروبهم الاستعماريّة»، يعلّق زعيم «جبهة اليسار» جان ـــ لوك ميلانشون الذي يعتبر أن «ضربة غربيّة لسوريا تشكل خطأ فظيعاً». ويضيف النائب الأوروبي على موقع «لو نوفيل أبسرفاتور»: «هل صار وضعنا أفضل منذ كسرنا كلّ شيء في ليبيا؟ (…) نحن الفرنسيين لسنا سوى تابعين، كي نبدو مقنعين لأنفسنا وللعالم، نعوي أعلى من سائر القطيع».
هيثم منّاع، صوت سوريا العذب، جدد رفضه لأي تدخل خارجي. وشكّك رئيس فرع الخارج في «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي». في حديث لـ «يونايتد برس انترناشونال» بأن تكون الأسلحة الكيميائية «المحليّة الصنع» مصدرها النظام، رافضاً «تحويل الأنظار عن عمليات القتل اليومية». هذا الموقف يتقاطع مع رؤية فرنسوا ميغو، خبير النزاعات المسلّحة، ومدير الأبحاث في «معهد العلاقات الدوليّة والاستراتيجيّة» IRIS: «التدخّل العسكري الغربي سيكون كارثيّاً على كلّ الصعد (…) الذين يشجّعون عليه من دون أن يفقهوا شيئاً في أحوال هذه المنطقة، عليهم أن يفكّرون مرّتين قبل أن يعضّوا أصابعهم ندامة».
أما فرسان المعارضة السوريّة المسلّحة، فمتشوّقون لرائحة النابالم، يريدون «الحريّة» ولو على أنقاض بلدهم المحكومة بالغرق لعقود طويلة آتية في مستنقع الدم. هل هم «مقتنعون» بأنّ أميركا ومن وراءها من أتباع وحلفاء، ليس لديها سوى أن تؤدّي لشعوبنا خدمات سامية كالتي قدّمتها في العراق وليبيا؟ وأن هدف تدخّلها مساعدة السوريين على تشييد «البديل الديمقراطي» لنظام الأسد؟ هؤلاء يشبهون الأم المزيّفة في «دائرة الطباشير القوقازيّة» مسرحيّة بريخت الشهيرة، مستعدّون للتضحية بالولد إذا لم يتمكّنوا من الحصول عليه كاملاً. هل هناك من يصدّق للحظة أن ما ينتظرنا في سوريا والمنطقة، «بفضل» التدخّل العسكري الغربي، بعد عام، بعد عقد، بعد نصف قرن، سيكون أفضل من الوضع الحالي مهما بلغ من السوء؟…