نحتفي اليوم بذكرى ناجي العلي في لحظة تاريخيّة استثنائيّة تصعب تسميتها. ٢٦ عاماً ولم يتغيّر شيء. كل رسمة من رسماته التي كانت كل صباح تساهم في صناعة الرأي العام على امتداد سنوات، يمكن أن تنشر اليوم كما هي. الخنازير الضخمة المتخمة الفاسدة البلا رقبة التي تستغلنا وتتحكم بلقمة عيشنا وتساوم على حقوقنا لا تزال تحكم العالم، بالتواطؤ مع العسكر وتجار الدين، الجندي الإسرائيلي لا يزال يصادر حقوقنا الشرعيّة بمساعدة الرجعيّات العربيّة والأنظمة الاستبداديّة، المواطن العربي المغلوب على أمره لا يزال هنا بملابسه المرقّعة، جالساً على البرميل نفسه، برميل النفط الفارغ، يطالب بحقه في الرغيف والكرامة والحرية.
اليد الطالعة من أرض المقبرة الجماعيّة كشجرة زيتون تواصل رفع علم فلسطين، والفدائي الذي يسكن الوجدان مهما بلغ الانحطاط، وفاطمة لا تزال ترفض وتقاوم وتقول «لا». وحنظلة الشاهد الأبدي على الانحطاط والتخاذل والتمرّد والمقاومة، يدير ظهره مطرقاً، ويشيح بوجهه علامة عدم الرضى، محتضناً في أعماقه مخاض الغضب الآتي...
ناجي راهن جماليّاً، بابتكاراته البسيطة القريبة من المزاج الشعبي، والمتينة القادرة على اختزال الخطاب الفكري المعقّد. لم يتجاوزه فنّ الكاريكاتور العربي إلى اليوم، لأنّ هذا الفن لا يزال يتخبّط في مرحلة المحاكاة والتقليد والغنائيّة والوعظ والوصف، لم يتجرأ حتّى الآن على القطيعة مع الذوق السائد وتحطيم القوالب، ولم يخرج من الأطر السرديّة والتصويريّة التي وصلت مع ناجي العلي إلى ذروتها. ناجي راهن سياسيّاً بوعيه الاستشرافي لمستقبل الصراع انطلاقاً من القضيّة المركزيّة فلسطين. لم يهادن، ولم يتنازل، ولم يصمت. عاش راديكاليّاً، ومات راديكاليّاً. تواطأ عليه الجميع: الصهيونيّة وأنظمة التخلّف العربيّة وانهيارنا وحتّى الديموقراطيّة البريطانيّة. أوسلو قتلت أبا عمّار، وتركت لأبي مازن أن يواصل حتّى اليوم تقديم التنازلات باسم شعب لم يعد يمثّله شرعيّاً. ترى، كيف كان ناجي سيواكب هذه اللحظة؟ أمّة العرب كلّها تختبئ كالجرذ. وجزء من النخب «الثوريّة» يحورب، «في انتظار الضربة الأميركيّة». الربيع «خيبتنا الأخيرة»!

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@



لحظة الاغتيال، كما صوّرها السينمائي المصري عاطف الطيّب في فيلمه «ناجي العلي» (بطولة نور الشريف، مع روجيه عسّاف، وأحمد الزين وآخرين ـــ ١٩٩٠)